نهوض مصر..

المرء ليس محاسبا على ما يقول فقط ، بل هو محاسب على ما لم يقله إذا كان لابد من أن يقوله !







20.4.16

وسائل الإعلام العربية نقلا عن عادل الجمل

وسائل الإعلام العربية نقلًا عن عادل الجمل 


كنت ضيفا على الأستاذ عارف جابو

العربية في البرنامج الإذاعي ستوديو الحديث المقدم من إذاعة

DW_arabic

من ألمانيا بالاشتراك مع صوت كل لبنان، للحديث عن حكومة إيطاليا الجديدة بقيادة جورجا ميلوني اليمينية، والتحديات التي تواجهها في علاقاتها مع  أوروبا

الفيديو كامل في هذا اللينك

 https://youtu.be/YwGO5ICjBxA





مداخلة تليفونية لعادل الجمل في برنامج ’اليوم في ساعة’ بقناة مصرية عن استفتاء إيطاليا واستقالة رئيس الوزراء الإيطالي ماتيو رينسي





جزء من مداخلة تليفونية لعادل الجمل على قناة النهار عن زلزال وسط إيطاليا





مداخلة هاتفية



  فيديو بقناة تليفزيونية منقول عن عادل الجمل من خلال حسابه على تويتر




صحف ومواقع إخبارية نقلا عن عادل الجمل

موقع جريدة الشعب 

قنبلة سياسية ستنفجر قريبا


موقع مفكرة الإسلام

هل نفذت القوات المصرية عملية انزال بري داخل ليبيا

موقع أخبار العالم


موقع الأخبار
الجمل : عنوان صحيفة كوريري يهز ايطاليا

موقع أيه الأخبار

البرلمان الايطالي يدعو لسحب السفير من مصر

موقع رصد

ردا علي مقتل جوليو ريجيني البرلمان يطالب بسحب السفير
 موقع حضرموت 

عنوان صحيفة ايطالية يهز ايطاليا
موقع بوابة القاهرة

التقرير النهائي للتشريح لريجيني سيفجر ازمة


موقع صحيفة مباشر 24
تقرير الداخلية المصرية حول مقتل ريجيني : تخاريف


موقع صحيفة الوسط 
الجمل : عنوان صحيفة كوريري يهز ايطاليا

موقع البداية - خالد البلشي
نطالب بعودة سفيرنا حي لو امكن

فيديو من قناة مكملين - محمد ناصر

نصف ساعة فيديو من قناة مكملين ببرنامج محمد ناصر



جريدة المصريون

البراءة تنتظر قاتل ريجيني

البرلمان الايطالي يدعو لسحب السفير من مصر

نطالب بعودة سفيرنا حي لو امكن

اهتمام ايطالي بتصريحات اهالي الذين قامت الداخلية بتصفيتهم

التليفزيون الايطالي يزعم انزال قوات مصرية بليبيا

خبراء علاقتنا مع اوروبا في طريقها للانهيار

تهديد اوروبي لمصر بسحب الاستثمارات

مصر تسلم ايطاليا سجل مكالمات 13 مصريا



موقع لسانك


موقع التقرير المصري

عقوبات جديدة يقرها البرلمان الايطالي




فيديو قناة النهار على يوتيوب
استفتاء ايطاليا واستقالة رينسي



 موقع جريدة البديل نقلا عن عادل الجمل





الجزيرة مباشر نقلا عن عادل الجمل




وكالة أنباء أونا نقلا عن عادل الجمل










فيديو على يوتيوب عن قواعد التدير الأربعون





فيديو آخر عن ما لم تسمعه عن سورة الفاتحة


11.12.13

ثورة مصر بعد دستوريين - دراسة مقارنة

 سبق وأن كتبت في التدوينة قبل السابقة منذ عام عن ملاحظاتي على دستور مصر 2012 فكان لزاما عليٌ -  ومن الانصاف ولدرء شبهة التحيز - أن أدلي بملاحظاتي على مسودة  دستور 2013 .. وإن كان من الواجب أن نقرر وفورا أن هذه المسودة الأخيرة لا تمثل ثورة مصر، وحالتها الثورية المستمرة، ولم تحقق مطالبها الأساسية بعد .. فبعد 720 ساعة عمل على مدار 56 جلسة عقدتها لجنة الخمسين؛ خرجت مسودة  دستور 2013 بعدد 247 مادة متفوقة على دستور 2012 والذي كان عدد مواده 234 وقد كنا نعيب عليه طول وكثرة عدد مواده؛ وقد تم إلغاء بعض مواد الدستور السابق ومنها: 11/12/29/44/85/212/213/214/219/232  وتم إضافة بعض المواد لمسودة الدستور الجديد ومنها: 31/41/43/49/61/161/189/234/235/237/244/299  

وكتابة الدستور كما نعلم هو عمل إنساني جماعي، لايخلو من النواقص خاصة بسبب التوازنات والتوافقات التي تتم بين الأطراف المشاركة في كتابته، وكذلك سيكون من الظلم أن نقارن هذا الدستور بدساتير دول العالم المتحضر؛ ألا أننا لابد وأن نقرر أن النصوص بهذه المسودة والخاصة بالحقوق والحريات أفضل بكثير من نظيرتها بدستور 2012 والتي أثارت الكثير من الاستقطاب والرفض ولكنهما إلتزما نفس الخط في ترسيخ دولة العسكر داخل الدولة، وزاد هذا الترسيخ  بالمادة 234 والتي تحصن منصب وزير الدفاع لدورتين رئاسيتين قادمتين. أما المادة 204 الكارثية والخاصة بمحاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية فقد دسترت الجرائم وتوسعت في شرحها
كما نؤكد على أن هذه المسودة - وكما بالدستور السابق - قد أغفلت انتخاب المحافظين.. وأغفلت بدل البطالة، وأغفلت مساعدة الأحزاب السياسية لتدعيم قدرتها المالية كما بالدول الغربية لمنع سيطرة رجال الأعمال عليها، وكذلك أغفلت إلغاء وزارة الإعلام، ولم تربط الدخل بالأسعار، وأغفلت استقلال الهيئات الرقابية، وتركت تعيين رؤسائها لرئيس الجمهورية المفروض أنها تراقب عمله، وأغفلت حرية ممارسة الشعائر لأصحاب الديانات غير السماوية مخالفة بذلك المعايير الدولية ...الخ
ولكن المسودة الجديدة أزالت من نصوص الدستور القديم الكثير من الصياغات التي كان يغلب عليها الطابع الديني، والتي لم تكن تفيد كثيرا، بل  تم الزج بها لارضاء تيار معين ..  ومنعت المادة 74 تأسيس الأحزاب على أساس ديني، كما منعت أي نشاط معاد لمبادئ الديموقراطية، وحظرت المسودة في المادة 75 انشاء أي جمعيات أو مؤسسات أهلية سرية
وإليكم مقارنة بين بعض مواد المسودة الجديدة 2013 ودستور عام 2012
في المادة 1 ألغت ان مصر جزء من حوض النيل كما كان في المادة 1 من دستور  2012
في المادة 5 ألغت لفظ الشورى المقحم بجوار لفظ الديموقراطية دون فائدة كما كان في المادة 6 من دستور 2012
في المادة 7 قصرت العمل الدعوي على الأزهر وتصدت لأي نشاط خارجه، وليس كما كان في المادة 4 من دستور 2012
في المادة 8 ألغت الحشو التفصيلي عن التكافل والعدل الاجتماعي كما كان في المادة 8 من دستور 2012
في المادة 10 ألغت دور "المجتمع" بجوار "الدولة" في مراقبة الأخلاق والأسرة وذلك  لمنع المتطوعين كما كان في المادة 10 من دستور 2012
في المادة 19 حددت نسبة 4% الضئيلة من الناتج القومي للتعليم ولكن لم تتركها فضفاضة كما كانت في المادة 58 من دستور 2012
في المادة 29 ألغت لفظ البادية بجوار الريف كما كان في المادة 16 من دستور 2012
في المادة 51 ألغت اللفظ المبهم - المجتمع - بجوار لفظ الدولة، من حماية الكرامة لكل إنسان  كما كان في المادة 31 من دستور 2012
في المادة 64 حددت أن حرية الاعتقاد "مطلقة" وهو لفظ أقوي من لفظ  "مصونة" كما كان في المادة 43 من دستور 2012
في المادة 71 حددت عقوبة جرائم النشر بالغرامة المالية وذكرت منع الحبس "صراحة" وليس كما كان في المادة 48 من دستور 2012
في المادة 87 حظرت استخدام دور العبادة صراحة في الدعاية  بالانتخابات وهو ما لم يكن مذكور في المادة 55 من دستور 2012
في المادة 92 أطلقت الحريات وأزالت الحشو السابق كما كان في المادة 81 من دستور 2012
في المادة 102 أجازت الأخذ بالنظام الفردي أو القائمة أو المختلط بالانتخابات، وليس كما كان في المادة 113 من دستور 2012
في المادة 137 ألغت ضرورة استقالة الرئيس في حالة رفض الاستفتاء الشعبي رغبة الرئيس في حل مجلس النواب كما كان في المادة 127 من دستور 2012
في المادة 141 شددت وغلظت من شروط الجنسية للرئيس وعائلته، وليس كما كان في المادة 143 من دستور 2012
في المادة 151 أقرت حق الشعب في الاستفتاء الشعبي على المعاهدات وليس لمجلس النواب كما كان في المادة 145 من دستور 2012
في المادة 211 ألغت عبارة الحفاظ على اللغة العربية في وسائل الإعلام والتي كانت في المادة 215 من دستور 2012 
هذه بعض الملاحظات السريعة حيث أن المجال هنا لا يتسع لذكرها جميعا  .. ولكن ..
 مازلنا في انتظار دستور مصر الدائم قريبا     

10.11.13

النموذج السويسري .. الديموقراطية الشعبية

بعد أن تناولنا في هذه المدونة عدة نماذج  سياسية،  منها التركي والإيطالي والإسرائيلي والفاتيكاني واليوناني؛ حان الوقت لنتعرف على نموذج أصيل وغير مشهور، وهو النموذج السويسري. فسويسرا التي اشتهرت بالساعات والشوكولاته والحسابات البنكية السرية هي واحدة من أكبر عشرين دولة مصدرة بالعالم، رغم أن عدد سكانها لا يتجاوز الـ 8 مليون نسمه، يتمركزون في أربع مناطق جغرافية مختلفة، ويتحدثون 4 لغات
مختلفة، وهي على الترتيب: الألمانية والفرنسية والإيطالية والرومانشية  ... واستطاعت هذه الدولة الصغيرة الجميلة في عام 2011 أن تحصل على المرتبة الأولى باعتبارها أغنى بلد في العالم، من حيث نصيب الفرد من الناتج المحلي الاجمالي، كذلك فإن متوسط دخل الأسرة بها يصل تقريبا إلى 100.000 دولار سنويا، ويتمتع المواطن السويسري بمزايا وتخفيضات ضريبية كبيرة وفقا للمعايير الأوروبية، ويحظى بخدمات اجتماعية وصحية متميزة؛ ولذلك فنحن في غنى عن أن نتحدث عن العدالة الاجتماعية، فحال سويسرا  كحال أغلب دول الغرب والتي تنتهج سياسات اقتصاد السوق الحر بنكهة اشتراكية
فالنموذج السويسري هو من أغنى تجارب الحكم الديموقراطي الشعبي، فلقد وضع حلا مثاليا لمشكلة التنوع اللغوي والثقافي والجغرافي، فيما يسمى كونفدرالية، واحترم ذلك التنوع لمناطقة الجفرافية، وتعامل معها كأنها دول مستقلة، بل أنه جعل من تلك الخصوصية مصدرا للتقدم الاقتصادي والحضاري
وتتـبنى سويسرا أيضا الحياد العسكري، فمنذ عام 1515 حيث كانت آخر حروبهم، وقد تم طردهم من مدينة ميلانو الإيطالية على يد الملك فرانسوا الأول فقرروا من يومها عدم الدخول في أحلاف أو محاور عسكرية، وظل ذلك، حتى أن السكان في أكثر من استفتاء قاموا برفض الاقتراح بالانضمام للاتحاد الأوروبي
تم اعتماد الدستور الاتحادي لسويسرا عام 1848 ، حيث يعتبر من أقدم الدساتير بالعالم وبموجب هذا الدستور يتكون الاتحاد الكونفدرالي من 23 كانتون (مقاطعة)، وتحت كل كانتون عدد من الكومونات (البلديات) الصغيرة، وقسم الدستور الصلاحيات بينهم فالاتحاد يشرف على السياسة الخارجية وأمور الدفاع، أما الكانتونات فتشرف على باقي الأمور بمشاركة البلديات والمحليات والأحياء، وبالتالي فالمواطن هو دائما سيد قراره
قسم الدستور الثلاث سلطات كالتالي  
ا - المحكمة الاتحادية
ب - البرلمان بغرفتية ومدة الفصل التشريعي 4 سنوات وهما
أولا: المجلس الوطني ويتالف من 200 عضو ينتخبون حسب عدد سكان كل كانتون
ثانيا: مجلس الكانتونات وبه 46 عضوا بمعدل عضوين لكل كانتون من ال23  بغض النظر عن حجمه أو عدد سكانه
ج - المجلس الاتحادي وهو الحكومة، وهي مكونة من 7 أعضاء (كمجلس رئاسي) لمدة 4 سنوات، ويرأس كل مستشار منهم وزارة وهي كالتالي: الخارجية والداخلية والعدل والدفاع والمالية والاقتصاد العام والنقل والطاقة. وينتخبون من بينهم رئيس الكونفدرالية ( رئيس الدولة) ونائبة. ويتم انتخاب هذه الميني حكومة من جانب البرلمان وليس الشعب، ولذلك فهو نظام شبه برلماني، وقد رفض المواطنون  تغيير هذا النظام خوفا من الأمركة حيث سيصبح المال هو سيد الموقف في الحملات الانتخابية للمرشحين
 ويعتبر المواطن السويسري هو أكثر مواطن بالعالم يتوجة لصناديق الاقتراع، وذلك بمعدل 4 مرات سنويا، في ديموقراطية هادئة تعتمد كليا على المشاركة القاعدية  في أدق الأمور حيث يتمتع المواطن بحقيين لا مثيل لهما بالعالم وهما: الاستفتاء الشعبي، والمبادرة الشعبية
فإذا استطاع المواطن جمع 50.000 توقيع في غضون 100 يوم من صدور أي قانون برلماني، يتم بموجبه عمل استفتاء على هذا القانون. أما المبادرة الشعبية فتسمح للمواطن باقتراح القوانين أو حتى عمل تعديل دستوري، أو حتى الانفصال من كانتون والانضمام لآخر إذا استطاع أن يجمع 100.000 توقيع. وينتقد البعض تلك الحقوق  الشعبية باعتبار أنها تعيق عمل البرلمان وتمنعه عن فرض تصوره، وترفع من قيمة المواطن في مواجهة السياسين وأعضاء البرلمان 
لذلك يعتبر النموذج السويسري متفردا، حيث يحكم المواطن ويرسم حياته ومستقبله، من أول مجلس إدارة العمارة التي يسكن بها .. للحي .. للمدينة ..  للمقاطعة .. للبرلمان .. في مجتمع شبه أناركي بشكل واقعي و ناجح   
 

2.12.12

ملاحظات علي مواد دستور مصر

اولا احب ان اؤكد علي انه بالرغم من انني لست خبيرا قانونيا او فقيها دستوريا الا انه من حقي كمواطن - وبحكم عملي كمترجم قانوني فازعم ان لدي القدرة علي تدقيق الالفاظ والتمييز بين النصوص المنضبطة من عدمها -  ان ابدي رايي علي مواد هذا الدستور والذي اجدني ككل المواطنين امام خمسة خيارات من الان وحتي يوم 15 ديسمبر وهي :  التصويت ب لا او التصويت ب نعم او ان اقاطع او ان اُبطل صوتي او ان اتبني الدعوة لعرقلة هذا الاستفتاء وحث القضاة علي عدم الاشراف عليه او ان اتبني دعوات العصيان المدني ..  ومن هنا كان علي ان اقرا هذا المنتج كاملا وابدي ملاحظاتي عليه من حيث المبدا وبشكل مستقل عن خياري النهائي .. كما انني لا احرض احدا علي اتخاذ قرار بعينه ..  واهم ما احب ان انوه اليه هنا هو 
 
اولا : انني كنت اتمني ان يتم كتابة هذا الدستور في ظروف افضل وبشكل توافقي يُرضي جميع الاطراف دون ان نري انقسامات او انسحابات وبالتالي لا يخرج الينا دستورا يتهمه الكثير بانه يمثل تيارا واحدا صوتوا عليه في جنح الليل وفرضوه علينا في الصباح بالقوة وعلي الجميع اما قبوله كما هو والتصويت عليه ب نعم او استمرار الاعلان الدستوري الرئاسي المستبد لفترة طويله
 
ثانيا : ليس خفيا علي احد انه جرى تمرير الدستور الجديد بسبب ماتم عقده مسبقا من صفقات وتسويات بين الاخوان وثلاثة فئات وهم العسكر والتيار السلفي  ورجال الاعمال حيث التوجة الراسمالي توجه اخواني اصيل ..  فكان للجيش ما اراد وبنص الدستور واكثر حتي مما جاء بوثيقة السلمي التي كان اول المعترضين عليها من التيار الاسلامي باعتبار انها تجعل الجيش دولة داخل الدولة .. وقدموا من خلال الدستور ونصوصه للتيارات السلفية بعض التنازلات في المواضيع الاجتماعية .. وسايروا كبار رجال الاعمال في تهميش قضايا العدالة الاجتماعية والنقابات وحقوق العمال
 
ثالثا : الصبغة الاسلامية المتعمدة علي كثير من مواد الدستور ارضاءا للتيار الذي صوت عليه بشكل يرضي التوازنات داخل هذا التيار رغم ان المادة الثانية كانت تكفي دون هذه الزيادات كاعتبار التربية الدينية مادة اساسية بالتعليم وذلك بالمادة 60 والمادة 10 التي تؤكد علي قيام الدولة بحماية القيم والاخلاق والمادة 11  التي تجعل من الدولة مربيا اخلاقيا للناس والمجتمع مما قد يسمح للدولة بالتدخل في الحريات الخاصة للمواطنين مستقبلا وكذلك المادة 4 التي تعطي الازهر مرجعية لا داعي لها للمشاركة مع البرلمان فيما يتعلق بقوانين الشريعة  وهي زيادة متعمدة  وكذلك وضع لفظ الشوري بجوار الديموقراطية دون داع بالمادة 6  بل قد تؤدي لتعارض .. واغفال حرية الاعتقاد وممارسة الشعائر لمن هم من غير الشرائع السماوية الثلاث حسب المادة  43
 
رابعا : كثرة مواد الدستور وطولها حيث وصلت الي 234 مادة في حين ان اغلب دساتير العالم اقصر كثيرا واكثر تركيزا فالدستور الايطالي مثلا عدد مواده 139  مادة فقط .. ورغم كثرة مواد دستورنا الجديد الا ان هذا الدستور قد اغفل كثيرا مما كنا نحلم ان نراه في دستور يليق بمصر بعد الثورة كاغفال المادة 187 لانتخاب المحافظين او عدم ذكر الضرائب التصاعدية كمطلب ثوري عند الحديث عن ربط الضرائب بالعدالة الاجتماعية بالمادة 26  - او اغفال انتخاب شيخ الازهر بالمادة 4 
                                وكذلك اغفال بدل البطالة وحقوق متحدي الاعاقة او اطفال الشوارع او عدم التفرقة بين المجندين في طول فترة التجنيد بسبب مؤهلهم الدراسي واغفال ذكر حق العمال كاملا في الاضراب وتوقيته وليس حسب القانون - او رقابة مجلس الشعب علي الصناديق الخاصة  اس الفساد بالدولة - او مساعدة الدولة للاحزاب السياسية لتدعيم قدرتها التنافسية بدلا من ان يسيطر عليها اصحاب المال - وكذلك خلو المادة 48 من حظر الحبس في جرائم النشر وايضا عدم وجود النص علي الغاء وزارة الاعلام للابد ..الخ
 
واليكم بعض الملاحظات الاخري علي بعض المواد التي لم اذكرها سابقا
المادة 14 تشترط ربط الاجر بالانتاج وليس الاسعار او عدد ساعات العمل او عدد افراد الاسرة
المادة 49 تسمح بانشاء الصحف بالاخطار اما القنوات الاذاعية والتليفزيونية فتتطلب اجراءات وموافقات حسب القانون الحالي 
المادة 52 يجوز للسلطة بحكم قضائي ان تحل النقابة كاملة وليس مجلس ادارتها فقط وهي مادة تعسفية وسيطرة السلطة علي النقابات
المادة 53 تمنع انشاء اكثر من نقابة واحدة لمهنة واحدة وهو ما يتعارض مع مبدا الحرية النقابية
المادة 54 تسمح لمخاطبة السلطات العامة بشكل وتوقيع فردي ولا تقبل مجموعة توقيعات تم جمعها بواسطة مجموعة ما لطلب ما
 المادة 63 تقول ان العمل واجب !!  كما لو كان اجباريا او سخرة علي المواطن 
المادة 70 تحظر تشغيل الاطفال باعمال لا تتناسب مع اعمارهم !!  وكان المفروض ان تمنع تشغيلهم مطلقا
المادة 73 تقول منع تجارة الجنس وهي عبارة غير مفهومة وكان يفضل بدلا منها عبارة منع الاتجار في البشر
المادة 114 وكذلك المادة 129 لا تمانعان ان يكون عضو البرلمان او مجلس الشوري حاملا جنسية اخري في حين ان مواد شروط الرئيس او رئيس الوزراء تمنع هذا وهنا تمييز وتفرقة بين المواطنين في الحقوق فكان يتوجب المنع الكلي او الاباحة الكلية 
المادة 59 وكذلك المادة 62 لا تتحدثان عن حصة تفضيلية او اولوية معينة للبحث العلمي او الصحة من الناتج القومي مقارنة بالقطاعات الاخري كالجيش والداخلية ولذلك سيبقي الوضع كما هو اي في ذيل القائمة 
المادة 128 الي المادة 131  والخاصة بمجلس الشوري لم توضح لنا اهمية وجود هذا المجلس والذي طالب الكثيرون بالغائه اللهم سوي ذكر اهميته عند اخذه مهام مجلس الشعب حال غيابة - رغم اننا كنا نرفض ان يقوم الرئيس بتعيين اعضاء بالمجالس المنتخبة لما يسببه من خلل ديموقراطي 
المادة 129 الوحيدة التي حددت المؤهل الدراسي لعضو مجلس الشوري في حين اغفلت المادة 134 وكذلك ما حدث ايضا بالمادة 156 اغفلت ايضا المؤهل الدراسي للمترشح لرئاسة الجمهورية او مجلس الوزراء وهو مبدا تميزي غير ثابت فاما الافصاح او الاهمال اعمالا لمبدا المساواة بين المواطنين 
المادة233 تعلق نصوص تطوير الادارة المحلية مؤقتا والتي نعتبرها اساس وقاعدة الديموقراطية الحقيقية وان يتم تطبيق تلك النصوص الجديدة بالتدريج خلال عشر سنوات
المادة195 يعين الرئيس وزير الدفاع من الضباط دون تحديد رتبته او يشترط موافقة المجلس الاعلي العسكري .. وكنا نفضل كالدول الديموقراطية ان يكون وزير الدفاع  سياسي ورئيس الاركان رجل عسكري
المادة 198 يجوز محاكمة المواطن المدني امام القضاءالعسكري وهذا لاول مرة في تاريخ مصر الدستوري ان ينص به علي ذلك -   المادة 202 يعين الرئيس رؤساء الهيئات المستقلة والاجهزة الرقابية  وهي اخطر المواد فكيف لهذه الاجهزة ان تراقب من يعينها
المادة 231 تؤكد علي اعادة الانتخابات لمجلس الشعب بنفس القواعد تقريبا التي فاز بها التيار الاسلامي المرة السابقة 

10.11.12

جمعة تطبيق الشريعة

كنت اعتقد ان الجدل بخصوص المادة الثانية  قد حُسم بعد التوافق عليها من : القوي المدنية والازهر والاخوان وغالبية السلفين وخرجت كما هي بمسودة الدستور  ولكنني اجدني مضطر للكتابة عنها مرة اخري !!  فالمادة الثانية من المقومات الاساسية للدولة بالدستور القديم ومسودة الدستور الجديد تنص علي ان : الاسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية ومبادئ الشريعة الاسلامية المصدر الرئيسي للتشريع
 
ولكن مظاهرة جمعة تطبيق الشريعة خرجت تطالب بان تكون احكام الشريعة هي مصدر التشريع ورفضت المادة بوضعها الحالي - ومن هنا انقسم المجتمع لنصفيين الاول مع مبادئ الشريعة والاخر مع احكام الشريعة ولذلك توجب علينا ان نعرف الفارق بينهما
 
اولا : مبادئ الشريعة  هي المقاصد العامة اي الغايات والمصالح التي اتت الشريعة لتحقيقها في دنيا الناس كالحفاظ عي النفس والمال والعرض والنسل والدين والعقل وهي امور لا تتحقق الا بمراعاة التيسيير والسماحة وتحقيق المصلحة العامة والتعايش السلمي وهي قيم مجتمعية نسميها اليوم القيم المدنية وهي التي ترسخت في الضمير الانساني العالمي بناء علي تجربته التاريخية علميا ودينيا وهي لاتتعارض مع الشريعة بل اقرتها جميعا . والتزم بها المشرعون في كل دساتير العالم  وقد اكدت المحكمة الدستورية العليا في تفسيرها لمصطلح مبادئ الشريعة بانها الاحكام قطعية الثبوت قطعية الدلالة . وعددها حوالي عشرة مبادئ اهمها : لا ضرر ولا ضرار - ودفع المضرة مقدم علي طلب المنفعة - ولا اكراه في الدين .. وغيرها ولا يوجد قانون مصري واحد حاليا يتعارض مع مبادئ الشريعة
 
وثانيا : احكام الشريعة هي التفصيلات المتعلقة بالحلال والحرام وطبعا الواجب والمندوب والمكروه والمباح وتشمل كل شئ مثل العبادة والاقتصاد واحكام الاسرة والزنا والحج والربا والسرقة وطريقة تطبيق الحدود بها
ولكن هذه الاحكام كثيرة ومتشعبة . وفي كل مسالة ستجد عشرات من الفتاوي الفقهية المختلفة والمتعارضة احيانا . علاوة علي انها تتغير بتغير الزمان والمكان اي تتغير حسب شكل المجتمع وظروفه وتركيبته .  ولا ننسي كذلك اختلاف تصور كل مذهب من المذاهب لكل حكم من تلك الاحكام    
 
وبناء عليه وحسب هذا الواقع المعقد سندخل في اشكالية كبيرة جدا فمن الذي لديه التصور الصحيح والمقبول من الجميع والذي يناسب ظروفنا وقابل للتطبيق الان ؟ ان دخولنا هذا المنحني وبهذا التشويش سيؤدي حتما لعدم كتابة دستور اصلا  او علي الاقل عرقلة كل التشريعات القادمة ؟ وهل ظروفنا الحالية تتحمل صراعا من هذا النوع الان ؟  
اعتقد انه من الواجب علي اصحاب هذا التوجه ان يتفقوا اولا فيما بينهم علي نصوص هذه الاحكام  داخل تصور واضح وشامل قبل المزايدة علينا وكاننا لسنا مسلمين في بلد اسلامي لا تتعارض اي من قوانينه مع الشريعة في شئ ؟  ولماذا وقبل المطالبة بتطبيق احكام الشريعة ان نطالب جميعا بتفعيل الشروط الدنيوية الواجب توافرها لتطبيق احكام الشريعة  كالقضاء علي الفقر والجهل والفساد والمرض ؟  بدلا من ان يفرض اي منا وجهة نظره قسريا علي المجتمع  دون رغبته ودون تهيئته !! ولماذا لا نسعي معا جديا وفورا لتحقق الاهداف التي خرجت من اجلها الثورة اولا وهي : عيش . حرية . عدالة اجتماعية . كرامة انسانية  
 


30.10.12

لماذا تخلت اسرائيل عن كتابة الدستور ؟

هل تعلم ان اسرائيل ليس لها دستور رسمي مكتوب ؟ ولكن هناك مجموعة من القوانين الاساسية التي تستخدم كادوات قضائية بديلة عنه ولعل السبب الرئيسي في عدم وجوده هو اصرار المتشددين اليهود دوما علي فرض وجهة نظرهم في كل مرة يتكرر الحديث عن كتابة هذا الدستور .. ولقد فطن المؤسسون الاوائل لذلك وكان عدد كبير منهم من المؤسسين للحركة الصهيونية ولم يكن اغلبهم من المتدينين بل كانوا جزءا من الاشتراكية الدولية ولم يكن في بالهم عندئذ اقامة دولة دينية ولكن ايجاد ملاذ لليهود بالعالم في شكل دولة عصرية 
وبدا هذا الصراع عند كتابة اهم وثيقة اسرائيلية وهي اعلان الدولة عام 1948 ولم تحذف التعبيرات الدينية من المسودة الا بعد تدخل بن جوريون ..  واستمرت المحاولات لكتابة دستور الدولة واستمر الاستقطاب بالمجتمع فالقوي المدنية تريد دستورا يشبه دساتير الدول الغربية الديموقراطية اما المتدينون فكان لهم دوما موقفين : الاول يوافق علي كتابة دستور بشرط الايخالف شرع الله . والثاني يرفض اي دستور من صنع البشر طالما ان لديهم التوراة والتي تعتبر دستورا الهيا متاحا
 
وعلي غرار ماحدث بعد ثورة 25 يناير بمصر وما يحدث غالبا بعد التحولات الكبري بالمجتمعات ان يتنامي ويعلو الصوت الديني وتركب الاحزاب والحركات الدينية الموجة  . حدث نفس الشئ باسرائيل بعد حرب 1967 حيث غيرت الصورة السياسية في اسرائيل فكانت فرصة تلك التيارت الدينية كبيرة حيث زعمت ان الانتصار الاسرائيلي علي ثلاثة دول عربية كان مدعوما من الرب وان الحلم بدولة اليهود الكبري بدا يتحقق ولابد من احلال قوانين الشريعة التوراتية محل القوانين الوضعية ولم يتورعوا في مرات كثيرة علي استخدام العنف لاثبات وجودهم والذي ظهرت ذروته عند اغتيالهم اسحق رابين في 4 نوفمبر 1995 كما فعل المتطرفون نفس الشئ مع السادات
وكانت اهم الادوات التي استخدمتها القوي المدنية في تحجيم تلك القوي الاصولية  - والحد من وصايتها علي المجتمع كله  وعمل فصل بين السياسة واستخدام ادوات دينية في الصراع السياسي - ان اتجهت للتكتل والاندماج والذي لم يكن صعبا علي عكس الحركات الدينية التي تختلف في رؤيتها ومدي تشددها والتي تنقسم لثلاثة تيارات اساسية فمنها الصهيوني المتعصب كحزب المفدال القومي ومنها الديني التقليدي كحزب شاس ومنها الاخر السلفي المتشدد (الحريديم) والمطالب بتطبيق الشريعة كحركة اهودات اسرائيل
وتشكلت في اسرائيل قوتان مدنيتان يحكمان ويتبادلان السلطة من فترة طويلة اولهما حزب الليكود وهو نتيجة اندماج احزاب وحركات اليمين والوسط والقوة الاخري هي حزب العمل وهوحصيلة سلسلة من الاندماجات في المعسكر اليساري العمالي والنقابي ومؤخرا لم يعد بمقدور اي منهما ان يحكم بمفرده دون الائتلاف مع احزاب صغيرة ومنها طبعا الاحزاب الدينية والتي لم تستطع ان تحقق باي انتخابات نسبة اعلي من 15 % من نسبة اجمالي مقاعد الكنيست والتي تبلغ 120 مقعد  . ولكن هذا الائتلاف له دوما ثمن ومقابل تمثل في ابتزاز وحصول علي امتيازات وتمويلات لانشطتهم الدينية السياسية
 
وهذا الصعود المتنامي للتيارات الدينية هو ما جعل القوي المدنية يتخلون عن فكرة كتابة الدستور تجنبا للصراع والمزايدات الدينية بالشارع .. وكذلك اصبحوا اكثر ايمانا بان الاندماج وتوحيد الصف هو السبيل الوحيد للمحافظة علي مدنية دولة اسرائيل وابعاد رجال الدين عن السياسة .. ورغم تلك الديموقراطية تظل اسرائيل دولة عنصرية واقصائية ومحتلة لاراضي الغير  
      

8.10.12

الفاتيكان ...عندما يحكم رجال الدين

هي أول دولة يحكمها ويسيطر عليها رجال دين وبشكل كامل، رئيسًا وحكومة وموظفين وسفراء.
في العام 1929م أصبحت الفاتيكان دولة مستقلة وذات سيادة، بعد الاتفاق بين موسوليني والبابا وذلك لفض الاشتباك بين الجمهورية الإيطالية والفاتيكان، ومنع تدخل رجال الدين في السياسة، ولكي لا يكون للدولة الإيطالية رأسان في قلب روما بل دولتين مستقلتين. 
والفاتيكان ليس بها تداول للسلطة، ولا شأن للعامة بسياسات الحكومة ولا لأحد رقابة على ميزانيتها، ومصادر دخلها من تبرعات وصدقات المؤمنين، إضافة لإيرادات بعض الأوقاف والسياحة. وهذه الدولة المتناهية الصغر، العظيمة النفوذ لا تتعدى مساحتها نصف كيلو متر مربع، وعدد سكان لا يتعدى 800 شخص، ولكن يتبعها حوالي مليار وربع كاثوليكي حول العالم.

رئيس الدولة هو البابا، ويسكن في قصر مكون من 1400 حجرة وحكومتة مكونة من 400 أسقف، ويعين البابا 120 كاردينالًا مندوبين عنه في كنائس العالم، يجتمعون جميعا معا بالفاتيكان عند وفاة البابا ولا يغادرون مكانًا مغلقًا عليهم إلا بعد اختيار أحدهم خليفة للبابا مدى الحياة  - تقريبًا على طريقة اختيار خليفة المسلمين في عهد الصحابة -وقديما كان لابد وأن يكون البابا إيطاليًا، وتم كسر القاعدة في عام 1978م  باختيار بولنديًا بابا وهو يوحنا بولس الثاني.

عندما تتجول في الفاتيكان - على الأقدام طبعا - تشعر أنك في بيت من الأسرار فكل ركن فيها تحته سر عظيم؛ بسبب ما حُكي عنها من قصص وأحيانا خرافات عن أسرارها كالأرشيف السري، وفرسان المعبد، والأسرار المدفونة أسفلها، وكذلك قصص الصراعات بين الأساقفة، وما شهدته الدولة من الفساد المالي والأخلاقي لكثير من رجالها، ولكن لم يجرأ أحد على توثيق هذه الأحداث لأن التكفير كان بانتظاره، كل ذلك الغموض وهذا التنظيم السري المتقن هو ما أضفى على الفاتيكان هذه الهالة من الغموض والقوة والمهابة.

تم بناء أول كنيسة بها في عهد القيصر قسطنطين عام 324 ميلادية واكتملت الفاتيكان عام 1475م بكنيسة السكستين الشهيرة والتي رسم جدرانها بيديه الفنان مايكل أنجلو.
وظل القيصر قسطنطين هو الآمر الناهي في روما إلى أن نقل مركز الإمبراطورية إلى بيزنطه عام 324 م، ورحل هو والعسكر عن روما وترك وراءه فراغًا في السلطة، وكان لابد أن يشغله جماعة منظمة، ووجد رجال الدين أنفسهم فجاة يحكمون روما من مقر الفاتيكان.

وتولي البابا - رجل الدين والمرشد الروحي للكاثوليك - حكم روما، وكان عليه أن يُضفي على نفسة شرعية تجبر العامة على الانصياع لأوامره؛ ولم يكن هناك أفضل من أن يعلن أنه صاحب السلطة المطلقة التي لا تخطأ أبدًا لأنها مفوضة من السماء، ولا تعلوها سلطة دنيوية.
  وكان أول اختبار حقيقي لقوة هذه السلطة في العام 1077 م عندما استطاع البابا جريجور الانتصار على القيصر الألماني هاينريش، حيث قام  بتكفيره وإخراجه من الدين المسيحي أمام شعبه ولم يتركه حتى أذعن له وطلب منه الصفح وقَبّل يده علانية.
وعندها أيقنت أوروبا المسيحية مدى قوة البابا السياسية؛ بسبب قوته المدعمة من السماء، وبعد أن استطاع أن يزلزل عروش الملوك بسبب فتاوى التكفير.
ولا يخفى على أحد كيف استغلت الكنيسة الفلاحين والبسطاء وزجت بهم في الحروب الصليبية على الشرق الأوسط باسم الرب،
وظلت روما دومًا مقرًا للباباوية إلا مرة واحدة، حيث انتقلت إلى نابولي عام 1294م على يد البابا كولستين الخامس، والذي كان يكره روما وفساد أخلاقها، وكان يحب الفقراء وحياة الزهد، ويقدس القيم المسيحية السامية. ولكن هذا لم يعجب الأساقفة الذين أفسدتهم السلطة  - فالسياسة والسلطة تفسد المتدينين  - فقاموا بعزله وسجنه ومات المسكين بعد عام ونصف، وعادت الباباوية لروما كسابق عهدها وسيرتها الأولى.

وكانت هذه الدولة الصغيرة ذات مصروفات كبيرة وبحاجة دائما للمال لتغطية أنشطتها؛ فقام البابا بونيفاتس الخامس بإصدار مرسومه الشهير والذي ينص على أن الكنيسة بالعالم واحدة، كاثوليكية مقدسة، وسلطة البابا شاملة وعالمية، ولا خلاص أو غفران لأحد إلا عن طريق هذه المنظومة؛ فأصدر صكوك الغفران مقابل المال، ثم خرجت صكوك غفران للموتى، وأخرى تمحو خطايا المستقبل؛ فامتلات الخزائن. واستمر الحال إلى أن جاء الألماني مارتن لوثر، والذي غير المسيحية بطباعته ونشره إصدارات ومنشورات ضد الفاتيكان والبابا، وتطورت الأحداث وبقوة وكانت بمثابة ثورة أوروبية شعبية ضد الكنيسة ورجالها، شارك في هذه الثورة  الكثيرون من المعترضين والرافضين للفاتيكان إلى أن وصل الأمر في النهاية إلى أن انقسمت الكنيسة إلى نصفين: كاثوليكية، وبروتستانتية.

 ورغم فقدان الفاتيكان وقتها الكثير من المصداقية في قلوب تابعيها بسبب:
فساد بعض رجالها وتدخلهم في السياسة، ومحاربتهم  للعلم والعلماء، ورفضهم لكل جديد، وتصديهم لإعمال العقل باستخدام نصوص الدين والفتاوى الجاهزة؛ إلا أن الفاتيكان ما زالت تتمتع بسطوة دينية وأدبية في نفوس الناس لاقتناعهم بأنها ما تزال تتحدث باسم الرب 

16.9.12

ازمة اليونان .. واوجه الشبة مع الحالة المصرية

بعد ان اطلت علينا مشكلة قرض صندوق النقد الدولي لمصر والجدل الدائر عنه تذكرت اليونان  والتي يجب ان نعرف ماذا حدث لها ولماذا قاربت علي الافلاس والانهيار الاقتصادي بل والطرد من الاتحاد الاوروبي ؟ .. وهل هناك اوجه للتشابة مع الحالة المصرية ولماذا نحذر دوما من خطورة القروض ؟ .. ولان مشكلة اليونان والتي سنعرضها بشكل مبسط تتلخص في امرين اساسين : القروض والفساد
اليونان يبلغ عدد سكانه حوالي 11 مليون نسمة ( مصر 91 مليون نسمة ) ويبلغ الناتج المحلي الاجمالي اليوناني حوالي 330 مليار دولار في 2009 ( مصر 480 مليار دولار - عن نفس العام ) وحسب التحليلات الاقتصادية فان اسباب المشكلة تتركز في
ا- زيادة كبيرة في الدين العام وعجز كبير بالموازنة العامة
ب- انتشار الفساد والرشاوي وتفاقم ظاهرة التهرب الضريبي

لقد اكتشف العالم ان اليونان تكذب  ولا تذكر الحقيقة عن موقفها المالي حتي وصل حجم الدين العام الي 408 مليار دولار ( مصر 222 مليار دولار -  حسب البنك المركزي ) تم انفاقها علي مشروعات لاعلاقة لها بالنمو الاقتصادي ووصل عجز الموازنة العامة اليونانية الي 13% ( مصر 10% - حسب وزارة المالية ) مع ان دول الاتحاد الاوروبي لا تسمح بان تتعدي النسبة 3% وبالتالي تم تخفيض التصنيف الائتماني لليونان من جانب المؤسسات الدولية ( وكذلك مصر ) حتي اعتبرت السندات اليونانية مجرد خردة لا تستحق الشراء ومما فاقم الازمة اكتر خروج تقارير عن حجم مهول من الاموال اليونانية المهربة للخارج قد تصل الي 270 مليار دولار ( مصر 134 مليار دولار - حسب تقديرات البنك الدولي ) ولقد قام اليونانيون بسحب تلك الاموال قبل وبعد الازمة خوفا من انهيار اقتصادي تام واحتمال العودة للعملة القديمة ( الدراخمة ) بدلا من اليورو مما قد يترتب علية انخفاض قيمة هذه الودائع الي نصف قيمتها
ومن الطريف حسب بعض الاحصائيين ان حوالي 1000 يوناني فقط  يمتلكون وحدهم اكتر من 320 ملياردولار ( اعتقد ان النسبة قد تزيد قليلا عن مصر !!) وقد تلكات الحكومات في اتخاذ خطوات جادة لاصلاح الخلل

كما ذكر ايضا اتحاد الصناعات اليونانية ان اليونان تخسر حوالي 30 مليار دولار سنويا بسبب التهرب الضريبي  ( مصر حوالي 5 مليار دولار -  حسب تقارير صحفية عن الفساد  ) والذي اصبح جزءا من ثقافة اوسع تتمثل في الرشوة والفساد بين المسئولين الحكوميين وخاصة مصلحة الضرائب

ربما تكون هذه هي اهم عناصر المشكلة .. وفي بداية الامر رفضت منطقة اليورو المساعدة لصغر حجم الناتج المحلي الاجمالي اليونالي والذي لا يتعدي 3% من من الناتج الاوروبي  وان اليونانيون قد اسرفوا في الاقتراض وعاشوا في مستويات رفاهية لا يستحقونها ولكن الخوف من انتشار العدوي لدول اخري متعثرة كالبرتغال واسبانيا وايطاليا دفع دول الاتحاد الاوروبي من جديد للتدخل  وبمساعدة صندوق النقد الدولي !! ولكن كانت نتيجة هذا التردد والتلاعب يالوقت ان صعدت قيمة خطة الانقاذ المطلوبة الي حوالي 160 مليار دولار ( مصر تحتاج الي  30 مليار دولار - حسب تصريحات حكومية )  وقد تحتاج الي عشر سنوات للتعافي وتجاوز الازمة وكان من الممكن  تفادي الازمة كلها لوتم اعادة هيكلة دفع الديون  كما فعلت دول اخري  ..  ولكن المشكلة الان كيف تقوم الحكومات بتمرير الشروط المفروضة عليهم من هذه المساعدات والقروض في ظل غضب شعبي عنيف فخطة التقشف الجاهزة للجميع ( بما فيها مصر ) تتلخص في الخصخصة وخفض الحد الادني للاجور ورفع سن التقاعد وخفض الدعم وخفض نفقات التعليم والصحة 
ومن هنا خرجت وستخرج المظاهرات تقول لا لتضحيات يدفعها فقط الفقراء وانه يجب علي اصحاب المال ان يدفعوا ثمن الازمة       

15.10.11

ليلة انقضاض الفاشيست على الديموقراطية

قبل 17 مارس عام 1861، أي قبل 150 عام فقط، لم يكن هناك ما يسمى دولة إيطاليا، ولكنها كانت مجموعة من الإمارات المقسمة تحت سيطرة النمسا والفاتيكان و نابولي، وظلت بلد مصدرة للمهاجرين بسبب سوء الأحوال الاقتصادية بها، ويُذكر أنه في عام 1913 قد هاجر من البلاد ما يقارب 9 مليون شخص، وبعد الحرب العالمية الأولى، أي في 1919 ازدهرت الديموقراطية بالعالم الغربي، ودخل فيها حوالي 15 دولة بعد انتصار دول الحلفاء، والتي كانت تتبنى الديموقراطية؛ مما شجع الكثير على تقليد ذلك النموذج الناجح، وكما أن الوصول للديموقراطية طريق صعب، فإن الأصعب هو تفعيلها، والمحافظة عليها، فسرعان ما تهاوى ذلك النظام بعدة دول، ابتداء من إيطاليا عام 1922 بتحولها للفاشية، وحكم العسكر بولندا، وتحولت ألمانيا للنازية، وحكم العسكر أسبانيا وزادت الميول العسكرية في اليابان، بالإضافة للنظام الشمولي في الإتحاد السوفيتي، وكانت هذه الردة عن الديموقراطية بسبب فشل الديموقراطيين في تحسيين الأحوال الاقتصادية للمواطنين، ولاستغلال عناصر قومية متطرفة لذلك الفشل فانقضت على الديموقراطية
ففي إيطاليا عام 1919 تأسست حركة فاشية في ميلانو وتزعمها متهور اسمه: بنيتو موسوليني، ووعد الناس بإعادة عظمة الأمبراطورية الرومانية من جديد، وأنه سيقضي على الشعور بالاحباط العام، وسيهتم بالشئون الداخلية. وانضم إليه العمال العاطلون والجنود المسرحون بعد الحرب، والعناصر الغوغائية التي تقوم بالسرقة والنهب أوقات الفوضى. ولعبت هذه الحركة على التعصب القومي وكره الشعوب الأخرى، ودعت للزعيم الملهم الواحد، والحزب الوطني الواحد، ومن أجل الوصول للحكم قام بتأليف ميليشيا شبه عسكرية يرتدي أفرادها القمصان السوداء، وبدأوا في محاربة أقوى فصيل سياسي منظم بالبلاد وهم الشيوعيين. وكان يعتقد المراقبون آنذاك أن إيطاليا ستكون الدولة الشيوعية التالية بعد الاتحاد السوفيتي، وانتشرت الصدامات والاغتيالات بينهما. ويوم أعلن الشيوعيون عن اضراب عام للعمال بالبلاد، زحف موسوليني في نفس اليوم بعد أن حشد مظاهرة ضخمة لأعوانه في ميلانو، واستقلوا القطارات إلى روما بأكثر من 50 ألف شخص، واضطر الملك للرضوخ لهذا الانقلاب، بعد ضغط من الجيش ورجال الأعمال، و قام الملك بتكليف موسوليني برئاسة الوزراء، أي بعد 3 سنوات فقط من تأسيس حركته.
وعلى الفور قام بملاحقة الشيوعيين، واعتقلهم و صادر ممتلكاتهم، وسيطر على الصحافة، وحل جميع الأحزاب
و كان من الطبيعي أن يتحالف خارجيا مع من يماثله التوجة المتعصب، فأبرم أول اتفاق شامل مع ألمانيا النازية عام 1936. وانهزما معا بالحرب العالمية الثانية عام 1943 أمام الحلفاء، وقُتل فيها حوالي نصف مليون أيطالي، واستمرت المعارك حتى تم إعدام موسوليني في 29/4/1945 بأحد ميادين ميلانو
بعدها تنازل الملك أومبرتو الثاني عن العرش، بعد استفتاء شعبي، وتم إعلان الجمهورية، وتمكنت إيطاليا من وضع ديموقراطيتها على الطريق من جديد، وجاءت أول حكومة ائتلافية، ومكونة من طرفين، الاول: الديموقراطين المسيحيين المدعوميين من أمريكا والفاتيكان، والطرف الثاني: هم الشيوعيين المدعومين من السوفيت. وتحت ضغط من الأمريكيين تم طرد الشيوعيين من الحكومة في منتصف عام 1947 ، وكالعادة ظلت أمريكا ومخابراتها تدعم الديموقراطيين المسيحيين الموالين لها، والذين سيطروا على الحكم لأربعة عقود متتالية
وفي الخمسينات انضمت إيطاليا لحلف شمال الأطلنطي، وفي أواخر الستينات وحتى أواخر الثمانينات دخلت البلاد فيما سمي بسنوات الرصاص، وتميزت بالصراع السياسي والعمليات الأرهابية؛ بسبب اقصاء الشيوعيين، ووصلت الأمور لذروتها باغتيال رئيس الوزراء ألدو مورو عام 1978 ، على يد الألوية الحمراء، وبعدها تم التوصل للتسوية التاريخية، والمصالحة الوطنية بين الطرفين و وصل على أثرها لحكم إيطاليا الحزب الاشتراكي بقيادة كراكسي، ورغم صعوبة الطريق، نضجت الديموقراطية الإيطالية وتمتعت بقضاء مستقل، وإعلام حر، فانتعش الاقتصاد في فترة وجيزة، وتحول من اقتصاد ضعيف مُدمر من الحرب، ويعتمد على الزراعة إلى رابع أكبر اقتصاد في العالم، وحققت ما سُمي حينها بالمعجزة الإيطالية

28.9.11

الثلث المُعطل - حزب الراسمالين المستقلين

و اخيرا صدر الفرمان العسكري فجاة ومنذ يومين ودون علم احد والذي ينظم الانتخابات القادمة علي اساس ثلثي المقاعد يتم اختيارهم بنظام القوائم النسبية والثلث الاخر بالنظام الفردي وستُقبل الترشيحات ابتداءا من 12 اكتوبر
وبدا الجميع في عمل الحسابات وقد نتفق جميعا انه لن يكون بهذا المجلس اغلبية كاملة لاي حزب وقد يكون اقصي طموح اي طرف هو الفوز ب 30% من المقاعد وستقول علي الفور انه سيكون حزب الحرية والعدالة الجناح السياسي للاخوان واقول لك ان هذا اصبح غير مضمون في ظل المعادلة الجديدة و لكن الشئ المؤكد فيها هو فوز المستقلين ب33% من المقاعد اي الثلث لانهم ان لم يزيدوا عن الاخوان فلن يقلوا عنهم - واعتقد ان المجلس العسكري درس جيدا القوي علي الارض وكان يريد لاخر لحظه عمل نظام الانتخابات بالقائمة والفردي مناصفة لولا رفض كل القوي السياسية وذلك لانه نظام سيعود بالفلول للمجلس القادم وفي النهاية وبعد جذب وشد تنازل المجلس بالشكل الذي لايخل بالمعادلة التي ارادها واصدر خلسة بيان باخر كلام وهو الثلث للفردي بدلا من النصف والذي اسميه هنا (الثلث المُعطل ) فلو نظرنا للدوائر الانتخابية بشكلها الحالي لوجدناها كبيرة و شاسعة جدا وبالتالي لايستطيع شاب او عامل او فلاح ان يتكفل بمصاريف الدعاية للحملة الانتخابية بالشكل اللائق الذي قد يُمكنه من الفوز وبالتالي لابد ان يكون راسماليا كبيرا اي رجل اعمال ممن كانت تربطهم علاقات مصالح بالنظام القديم او مازالت تربطه مصالحه ببعض رموز النظام القديم والتالي سيكون من مصلحتة والتي يدركها جيدا ان يُعطل او يُعوق اي انقلاب ثوري داخل المجلس علي سياسات و قواعد النظام السابق والتي كانت في صالحة دوما و كان ولاؤه و مازال للنظام السابق و كذلك للمؤسسة العسكرية والتي تدير حوالي 40% من النشاط الاقتصادي بالبلاد و بالتالي سيكون هذا الحزب الجديد - مجازا - والذي سيتشكل تحت القبة ليُكون ما يسمي الثلث المُعطل لكل ما يتعارض مع مصالحه ومصالح اعوانه فمثلا سيتصدي لمشروعات الاسلاميين لاي انقلاب محتمل علي الدولة المدنية او سيعطل مشروعات اليساريين والتي ستسعي لانتزاع حقوق للبسطاء من رجال الاعمال وهكذا
فهؤلاء الراسماليون المستقلون يمكنهم وبسهولة ان ينسقوا فيما بينهم لانهم شريحة تاتي من طبقة اجتماعية متماثلة ولها مصالح متقاربة وستدافع وباستماته عنها وعن سياسات النظام القديم داخل المجلس ومن خلال قوانينه وسيكون ولاؤهم الحالي للمجلس العسكري والذي منحهم هذه الفرصة التاريخية
لذلك ولاسباب اخري اجزم بان البرلمان القادم والحكومة القادمة لن يمثلا الثورة ولكن ابشروابالدورة التي تليها .. نعم المشوار طويل ويستحق .. لان النتيجة مضمونه

25.6.11

الطريق الثالث ... والذي مازال مفقودا

استكمالا للتدوينة السابقة عن اليسار، والتي انتهينا فيها إلى أهمية وضع تصور عملي لمنظومة اقتصادية وطنية ذات آليات محددة لاقتصاد مصر،  حيث أننا في النهاية سنتفق على الدولة المدنية، وعلى الديموقراطية، وعلى حق المواطنة، وسيبقى الجانب 
الاقتصادي وتحقيق العدالة الاجتماعية هو المطلب الملح والمعادلة الصعبة. وقد يتراءي للبعض تصور أطروحة وسطية بين الاشتراكية والليبرالية، بادعاء أنها ستتناسب مع ظروفنا الحالية، وتعتمد على الثقافة الوطنية، وتراعي الخصوصية الذاتية، وذلك بطرح طريق ثالث يضمن للعامل حياة كريمة وفي نفس الوقت لا يحارب الملكية الخاصة أو يعرقل التجارة أو الاستثمارات الداخلية أو الخارجية بالشكل الذي ينهض بالاقتصاد والمجتمع. باعتبار أن هذا الطريق المزعوم هو خط بين خطين متوازيين أحدهما على اليسار والآخر على اليمين
ولكن ذلك يتطلب معرفة أين يكون مكان هذا الطريق بالتحديد بين الخطيين؟ و إلى أي الطريقين يميل أكثر؟ و هل هو خط مستقيم أم متعرج بينهما؟ وأنا هنا لا أدعي امتلاك الإجابة على هذا السؤال المركب

ولكن البحث عن هذا الطريق الثالث ليس بالفكرة الجديدة؛ فهناك العديد من المحاولات التاريخية القديمة والحديثة لايجاد ذلك الطريق كمحاولة (نهرو) بالهند أو (عبد الناصر) في مصر وآخرين غيرهم
أما في أوروبا وحتى وقت قريب، كانوا يتبعون أحد طريقين
الطريق الأول: هو ما تبنته أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، وذلك للنهوض بالقارة المدمرة عن طريق سيطرة الدولة على الاقتصاد من أجل تخصيص ميزانيات تمول الرعاية الاجتماعية المقدمة للمواطنين بالدرجة الأولى
الطريق الثاني: وهو ما عرف باسم النيوليبرالية الرأسمالية، والذي تبناه كل من رونالد ريجان ومارجريت تاتشر ويرتكز على تخلي الدولة عن التدخل في الاقتصاد، وإطلاق يد السوق للمنافسة، وهي نفس أفكار (مدرسة شيكاغو) والتي أسسها ميلتون فردمان

ومؤخرا وبالتحديد في أواخر التسعينات ظهر داخل اليسار ما سُمي بالطريق الثالث، وتبناه (بيل كلينتون) في نهاية حكمة 1993/2001 ، ولكن اتضحت معالم هذا الطريق أكثر عندما تبناه وبقوة (توني بلير) 1997/2007 بناء على أفكار مرشده الفكري عالم الاجتماع البريطاني (أنتوني جيدنز) مؤلف كتاب (الطريق الثالث). و قد تحدث توني بلير عن هذا الطريق في إحدي قمم الاشتراكية الدولية قائلا: إن الدولة بعد أن اصبحت قليلة العوائد بسبب الخصخصة، وخفض الضرائب؛ رغبة في تحفيز الاستثمار، أصبحت الدولة عاجزة عن القيام بمهامها، مما يهدد بتفاقم مشكلة البطالة، ويزيد من الضغوط الاجتماعية؛ وهو ما يجعل بالحل الوحيد، ويتمثل في أن تنقل مسئوليات الدولة الاجتماعية إلى مؤسسات المجتمع المدني، والجمعيات الأهلية، والنقابات

وقد تحول هذا الطريق إلى موضة فكرية، وحظي وقتها بشعبية في أوساط الأحزاب اليسارية الاجتماعية والاشتراكية في اوروبا، وبفضله سيطرت تلك الأحزاب على 13 حكومة من 15 هي دول الاتحاد - كما ذكرنا سابقا - و لكن يرى البعض أن هذا الطريق كان بمثابة قارب نجاة للأحزاب الاشتراكية؛ فقد مكنها من الوصول للسلطة أكثر من كونه حلا لأزمات المجتمع الاقتصادية، وأن تلك الأحزاب قد قبلت بتغيير بعض مبادئها وانفتحوا على الليبرالية الجديدة، ولم يقدموا سوى معالجات سطحية للمشكلات العميقة التي تولدها الراسمالية. وحيث إن الطريق الثالث هو طريق يعتمد على الطريقين الذين يخالفهما يظل بلا مضمون واضح في حد ذاته، ولذلك لم يستطع أن يتبلور إلى أيدولوجية و لم تستطع أحزاب اليسار من خلاله الاستمرار في السلطة، وخرجوا جميعا سريعا واستمر الاقتصاد العالمي في مواصلة سيره في اتجاهه السابق النيوليبرالي، وما اتبعه ذلك من تراكم رأس المال في يد طبقة محدودة جدا، رغم تزايد معدلات النمو الاقتصادي وهو ما دعى البعض مثل (أليكس كالينيكوس) في كتابه (ضد الطريق الثالث) أن يطلق على هذا الطريق الثالث، بالنيوليبرالية المتنكرة في مسوح الديموقراطية الاشتراكية
كذلك وبناء على رؤية الطريق الثالث، والتي ترتكز على مشاركة الحكومة لمنظمات المجتمع المدني وخاصة في موضوع الرعاية الاجتماعية؛ قد جعل أحد ابرز مفكري هذه الأطروحة وهو (ريتشارد فايزمير) أن يدعي بأن دول العالم الثالث غير مؤهلة لتبني هذا الطريق أوالاستفادة منه؛ لأنها دول تفتقر إلى المجتمع المدني، ولأنها دول فقيرة اقتصاديا وفكريا. وإضافة إلى هذه النظرة الاستعلائية في طرح الحقيقة فقد أعطى توني بلير بسياساته الخارجية والتابعة للولايات المتحدة على طول الخط صورة سيئة عن هذا الطريق

وفي النهاية ما زال البحث جاريا عن هذا الطريق الثالث، ولم يتوصل أحد بعد إلى ماهيته المثلى وآلياته، ومقدار السلطة الممنوحة لمنظمات المجتمع المدني، وكيفية حصولها على التمويل اللازم لممارسة هذا الدور الاجتماعي بكفاءة. و لأن الراسمالية مازالت تمتلك قدرة فائقة على إعادة إنتاج نفسها؛ تظل هناك حاجة ماسة لوجود طريق حقيقي يقوم على حركة جماهيرية واسعة ويقظة ويرتكز على الطبقة العاملة المنظمة، ويناهض معها الآثار السلبية للراسمالية والعولمة، ويهتم بعلاج المشكلات الفعلية للمجتمع، وتلك هي الضمانة المثلى لتحقيق العدالة الاجتماعية، وهي التي ستساعد و قوة في تحقيق تنمية مستدامة، وليست الأرقام الاقتصادية الخادعة. فلا بديل عن الاستثمار في البشر ورفع مستوى الرعاية المقدمة لهم - تعليمية وصحية - مما سيؤدي لرفع كفاءتهم وتشجيعهم على الانتاج؛ وبالتالي زيادة دخولهم وهو الوسيلة الناجعة لمواجهة أي أزمات اقتصادية محتملة قد تهدد الاقتصاد الوطني

3.6.11

التيار اليساري المصري ... وتساؤلات ضرورية

بعد 25 يناير - وعلى حد علمي - ظهر على الساحة السياسية حزبان يساريان جديدان: هما حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، وحزب العمال الديموقراطي إضافة إلى حزب التجمع الموجود أصلا على الساحة منذ عام 1976 ،وكذلك عودة الحزب الشيوعي المصري للعمل في النور مرة أخرى، وكان أول حزب يساري عرفته مصر، وتأسس عام 1921 باسم الحزب الاشتراكي المصري، وذلك على خلفية حراك ونشاط عمالي مميز شهدته مصر حينها، وساهم في تلك المرحلة العديد من الأجانب المقيمين بمصر و خاصة الجاليتين الإيطالية واليونانية، وهي نفس فترة قيام الثورة الروسية الأولى والثانية 1905/1917 والتي استبشر بها الكثيرون، واعتبروها نقطة تحول لتصحيح المسار التاريخي لصالح قضايا العمال والفلاحين والفقراء بما يضمن لهم مزيد من العدالة الاجتماعية وكخطوة للأمام بعد أن أهدت لنا - الثورة الفرنسية الثالثة 1848 وما سُمي بربيع الثورات الأوروبية - أسس الدولة المدنية التي تقوم على الحرية والإخاء و المساواة. واليوم وبعد هذه الانطلاقة الجديدة للأحزاب اليسارية المصرية الأربعة كان من الضروري وحتي تتضح لنا الصورة أن نطرح مجموعة من التساؤلات

أولها: ما أهمية وجود تيار يساري منافس وقوي على الساحة السياسية؟ و لماذا يجب علينا أن ندعمه ونقويه؟
بالتأكيد نخطأ كثيرا لو اختصرنا العدالة الاجتماعية في الديموقراطية فقط، و نخطأ أكثر لو اختصرنا الديموقراطية في الانتخابات فقط !! فالعدالة الاجتماعية هي مطالب مشروعة تتراكم وتترسخ من خلال خبرات وتجارب نضالية، تبدأ من القاع حيث تتبلور وبصدق في القواعد الشعبية الممثلة في نقابات واتحادات حرة تصل بصوت الناس ومطالبهم إلى السلطة. مع التاكيد على أن الوصول للسلطة من خلال ممثلين برلمانين أو حكوميين ليس هدفا في حد ذاته، بقدر ما هو وسيلة لتنفيذ تلك المطالب، ومن هنا يصبح من الضروري وجود تيار يساري قوي على الساحة؛ يتبنى تلك الرؤية ويصبح الضابط لبوصلة التوجه العام والسياسة العامة للمجتمع بالشكل الذي يضمن عدم استمرار ظلم وتجاهل تلك الفئات الفقيرة ويمنع الانتقاص من حقوقهم التي غابت عنهم سنوات طويلة

والتساؤل الثاني: ما هي التحديات التي تواجه التيار اليساري المصري؟
ا- ضعف القاعدة الشعبية التي يرتكز عليها حاليا مثل كل التيارات الأخرى والتي عانت جميعا من تضيق وتهميش في ظل حياة سياسية فاسدة طوال العقود الماضية
ب - أن جانبا من هذا التيار نخبوي بعيد عن الشارع والذي اختلف كثيرا عن شارع الستينات؛ مما يتطلب جهدا كبيرا في استقطاب أنصار جدد مستعدين للنضال من أجل قضايا الفقراء، خاصة في ظل ضعف مصادر التمويل وقلة الكوادر الحزبية
ج - صعوبة التأقلم مع فكرة التحالفات والائتلافات، وخاصة مع تيارات قد تطرح العدالة الاجتماعية كمجرد دعاية انتخابية أو تتبناها كهامش محدود كتحصيل حاصل وهو ما لا يتفق مع رؤية اليسار التي تنشد نموا اقتصاديا شاملا للمجتمع ويحفظ في نفس الوقت للمواطن البسيط حياة كريمة

والتساؤل الثالث: ما هي صورة التيارات اليسارية على الساحة الدولية؟
الصورة الأولى: هي التيار اليساري في أوروبا الشرقية والذي أصبح يجمع خليطا مشوها من الاشتراكية والليبرالية ومازال يبحث عن طريقه في ظل ديموقراطية هشة تحتاج للكثير من الاصلاح السياسي ومحاربة الفساد المستشري
والصورة الثانية: هو يسار أمريكا اللاتينية، فرغم الصعود والنجاحات النسبية التي حققها إلا أنه مازال يتخبط لأن الناس هناك لم تشعر بعد بالتغيير، ومازالت تلك الدول تعاني من مشكلات واضحة
والصورة الثالثة: اليسار الأوروبي - وأود أولا أن أؤكد على أن ما تتمتع به المجتمعات الأوروبية من هامش جيد من العدالة الاجتماعية يميزها عن العالم كله هي نتاج نضال طويل للعمال ونقاباتهم واتحاداتهم بالدرجة الأولى، وليست بفضل الأحزاب السياسية لأن هذه القيمة تأصلت في المجتمع. ولم تكن الديموقراطية أو الدولة المدنية إلا الوسيلة الجيدة للحفاظ على هذة المكتسبات، ولعل هذا ما يشعرك حاليا بعدم وجود فارق كبير بين حكومة يمينية أو أخرى يسارية في السلطة من هذه الناحية
و لقد سيطر اليسار على أوروبا منذ 12 عاما، حيث استطاع تشكيل 13 حكومة في 15 دولة، هي عدد دول الاتحاد، أما اليوم فإنه يشارك في 8 حكومات ائتلافية فقط في 27 دولة أوروبية، آخرها كان نجاح الحزب الاشتراكي الإسباني بزعامة ثاباتيرو 2004

والتساؤل الرابع: ما هي أهم الأسباب التي أعاقت سيطرة اليسار الأوروبي وأدت لتراجعه المتواصل في منافسته للتيار اليميني؟
ا - غياب جزء كبير من القوة المجتمعية الحاضنة للتيار الاشتراكي وهي الطبقة العاملة نتيجة تغير أنماط العمل من كثيف العمالة إلى أعمال قائمة على التكنولوجيا والمعرفة - أو هروب رأس المال للدول الرخيصة العمالة - وتحول جزء كبير من فئة العمال إلى الطبقة المتوسطة والبرجوازية الصغيرة، وهي طبقة ذات طاقة ثورية محدودة
ب - صعود اليسار الراديكالي بقوة على حساب يسار الوسط المنقسم أصلا مما يهدد دوما بقطع الطريق أمامه نحو السلطة
ج - تبني أغلب أحزاب اليسار الأوروبي لأفكار مشابهة لأفكار اليمين خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي 1991 ، وبعد سقوط جدار برلين، وما أطلق عليه الطريق الثالث وهو ما لم يقنع الكثيرين

والتساؤل الخامس: ما هي أهم المشكلات الاقتصادية التي تواجه اليسار حاليا وتمنعه من تحقيق أكبر هامش ممكن من العدالة في ظل تغول العولمة وسياسات السوق و التجارة الحرة التي فرضتها على العالم المؤسسات الدولية والتكتلات الاقليمية؟
ا - عودة تركيز ثروة الأمم مرة أخرى في يد طبقة محدودة جدا من الرأسمالين مما أخل بعدالة التوزيع؛ وبالتالي زيادة نسب التضخم والبطالة وهو ما عبر عنه الكثيرون مؤخرا بالنزول للميادين وتصاعد حدة الاحتجاجات والاضرابات
ب - إن المشكلات المالية والاقتصادية العالمية الأخيرة قد ترتب عليها رفع لأسعار الغذاء والطاقة وعراقيل كبرى أمام التمويل مما ترتب عليه انكماش اقتصادي عالمي دفع الحكومات وأعوانهم من الرأسمالين لمحاولة التنصل من بعض مكتسبات العمال. وكان من المنتظر أن يستفيد اليسار من هذه الازمة وتبعاتها، ولكنه ظهر مترددا أغلب الأحيان في تحديد وسائل الخروج منها على عكس اليمين الذي تظاهر بحس عملي وبنكهة يسارية ساعده فيها أن أغلب الناس قد حملوا المصرفيين والشركات المالية الكبرى مسئولية الأزمة وليست سياسات اليمين

وفي النهاية نصل للتساؤل السادس والأخير: ما هو الدور المطلوب الآن من اليسار المصري الجديد؛ لكي يحقق ما يأمله منه الناس في هذه المرحلة الفاصلة؟
ا - مساندة الفقراء، وتوعية الطبقات العاملة بحقوقها، والتفاعل معهم ودفع المجتمع نحو اطلاق كافة الحريات النقابية وحرية التظاهر والاضراب، وتنفيذ الأحكام القضائية المؤيدة لذلك. فالعمل النقابي سيؤتي ثماره سريعا فهو التربة الخصبة لنمو اليسار وبالتالي سينعكس وبقوة على العمل الحزبي أيضا
ب - الإصرار على أجر عادل يضمن حياة كريمة للجميع من خلال حد أدنى وحد أقصى للأجور، وخلق نظام ضريبي تصاعدي يوفر للدولة موردا لازما لتقديم مزيد من الخدمات الاجتماعية و الصحية و التعليمية والإعانات والبرامج التاهيلية والتي تعود على المجتمع والفرد بالفائدة، ولكي تصبح مصر مقصدا للمستثمرين ليس بسبب رخص عمالتها، ولكن لكفاءة تلك العمالة، وللمزايا الاستثمارية الكثيرة الأخرى
ج - وضع تصور عملي لمنظومة اقتصادية ذات آلية محددة وخريطة طريق واضحة لإنقاذ اقتصاد مصر نُصلح بها ما أفسده الانفتاح العشوائي في العقود السابقة؛ حتى نتمكن من الانطلاق للمستقبل، و نحن على أسس قوية تضمن استمرارية هذا النجاح

14.5.11

النموذج التركي .. وجدوي الاسترشاد به

يردد البعض عند الحديث عن مصر المستقبل طرح النموذج التركي كمثال يحتذي به لانه النموذج الاقرب الينا و لظروفنا الحالية وذلك لوجود اوجه تشابه متعددة جغرافيا واجتماعيا واقتصاديا وما يشجع اكثر هو ان تركيا استطاعت ان تحقق ديموقراطية مستقرة واقتصادا مزدهرا حتي انه يُشار اليها علي انها النموذج الوحيد الناجح بالعالم الاسلامي في الديموقراطية والحداثة - وبالتاكيد ليس النموذج الامثل فبه العديد من العيوب والنواقص و ما زال نموذجا ناشئا يبحث عن مستقبل افضل - وربما يكون هذا الطرح صحيحا لحد كبير لانه من الضروري الان الاسترشاد بتجربة ناجحة في مرحلتنا المفصلية الحالية وسيكون من العبث الاستهداء بالتجربة الالمانية او الكورية مثلا وذلك لوجود اختلافات جوهرية بيننا مجتمعيا وتاريخيا ناهيك عن ان لكل دولة خصوصيتها وان ما يصلح لدولة بعينها قد لا يصلح لاخري وان نسخ تجربة بحذافيرها حتي لو تماثلت الظروف هو ضرب من المستحيل بل علي كل دولة ان تصنع نموذجها المناسب .. وبناء عليه يتحتم علينا قراءة ما بين السطور بعد طرح عدة تساؤلات

التساؤل الاول : ما هي اوجه التشابة بين الحالتين المصرية والتركية والتي دعت البعض لترشيح ذلك النموذج للاسترشاد به ؟
ا - ان كلاهما دولة شرق اوسطية تمتلك تراثا حضاريا عظيما وموقعا جيواستراتيجي مؤثر وموارد متنوعة وهو ما يخلق فرصا اقتصادية هائلة
ب - ان لديهما شعبا غالبيته من الشباب ويتميز كلاهما بالديناميكية وقدر جيد من الثقافة والتعليم - ويذكر ان عدد سكان تركيا حوالي 75 مليون نسمة ومصر 85 مليون نسمة
ج - انهما يمتلكان شخصية وطنية متميزة وسجل حافل بالانجازات فلقد قادت مصر العالم الاسلامي طويلا وكذلك تركيا هي التي قادته في اخر 600 سنه له وذلك حتي مولد جمهورية كمال اتاتورك عام 1922 ومن المفارقة ان مصر حصلت علي استقلالها من انجلترا بصورة احادية بنفس العام في 28 فبراير 1922 وتبلور بكلاهما بتلك الفترة نهضة تنويرية ثقافية وبرلمانية متميزة
د- ان كلاهما دولة ذات اغلبية مسلمة وسنية ويعتبر الاسلام التركي والمصري هو الاكثر انفتاحا ووسطية وبالتالي فان قابليتهما للتحديث والنهضة متقاربة لحد كبير

التساؤل الثاني : هل حققت تركيا نهضة اقتصادية مميزة تؤهلها لان تكون مثالا لنا ؟ وماذا تقول الارقام الاقتصادية المقارنة لنوضح الفارق ان وُجد ؟

لقد استطاعت تركيا ان تنهض وسريعا بالرغم من الانتكاسة التي تعرضت لها في التسعينات وكاد اقتصادها ان ينهار بسبب الفساد وسوء النظام المصرفي ولكن تم انقاذه بفضل حكومة حزب العدالة والتنمية ليصبح الاقتصاد الاكبر اسلاميا مع انها دولة غير نفطية مثلنا تماما وذلك باستخدام سلاح العلم والتكنولوجيا والقانون فبلغ الناتج المحلي الاجمالي الاسمي عام 2010 مبلغ 730 مليار دولار في حين انه بمصر 210 مليار دولار - وبلغ دخل الفرد التركي السنوي الاسمي 11 الف دولار في حين انه للمصري 2700 دولار - وتبلغ قيمة الصادرات التركية السنوية 117 مليار دولار في حين انها في مصر 30 مليار دولار - وبلغ عدد السياح لتركيا بذلك العام 31 مليون سائح في حين انه بمصر 15 مليون سائح - هذا ومنذ 4 سنوات لم تعد تركيا تصدر ايدي عاملة للخارج
واضح من المقارنة مدي الفارق رقميا والذي قد يغري البعض بتقليد هذا النموذج ولكن هل يمكن اللحاق بالارقام الاقتصادية التي حققتها تركيا سريعا ؟ الاجابة بالتاكيد نعم وكما اكد ذلك كثير من الاقتصاديين فيمكننا و في خلال الاربع سنوات الرئاسية القادمة ذلك بشرط ان نبدا من حيث انتهي الاخرون فنضع مصر علي الطريق السليم من خلال صياغة مشروع نهضوي وطني واقعي

التساؤل الثالث : ماهي الخطوات التي اتخذتها تركيا لتحقيق نهضتها السياسية والاقتصادية ؟ وكذلك ما هي العوامل الخارجية التي ساعدتها علي ذلك ؟
اولا : اعلان الدستور المدني الديموقراطي من بداية نشاة الجمهورية والذي اكد علي حق المواطنة والعدالة الاجتماعية بل ان كمال الدين اتاتورك حاول فصل تركيا عن تراثها الاسلامي تماما حتي انه احل الحروف اللاتينية محل العربية واصر علي تاسيس جمهورية علمانية وبشكل متطرف و لم يدرك حينها ان هذا الدستور العلماني هو ما سيعطي فيما بعد الفرصة للاحزاب ذات المرجعية الدينية للوصول للسلطة وبشكل ديموقراطي ولكن هذه المرة من خلال فكرة توفيقية بين المتناقضات ومن خلال المزج بين القيم الاسلامية الصحيحة والقيم المدنية الديموقراطية - فحزب العدالة والتنمية الحاكم حاليا تم تاسيسه علي يد رجب طيب اردوغان كاخر صورة لاحزاب التيار الاسلامي والتي دخلت الحياة السياسية في عام 1971 بحزب الخلاص الوطني بقيادة نجم الدين اربكان ثم تحول الي حزب الفضيلة ثم اصبح حزب الرفاة ثم السعادة - وحزب العدالة والتنمية ليس حزبا ايدولوجيا فقط بل انه حزب برجماتي متصالح مع الحداثة ومفاهيم الدولة المدنية ويلتزم بخطاب جديد يتوافق مع ظروف المجتمع التركي و ايضا الظروف الدولية المتغيرة و يقبل بقواعد اللعبة الديموقراطية فاستطاع الفوز بالانتخابات العامة سنة 2002 بنسبة 34% من الاصوات وفي الانتخابات المحلية سنة 2004 بنسبة 42% من اجمالي الاصوات وللحزب فروع ب 3000 بلدة ويتجاوز عدد اعضائه المسجلين 3 مليون عضو ونجاحه هذا مازال يغري كثير من احزاب التيار الاسلامي بتكرار تجربة ذلك الحزب والذي اكتسب قبولا شعبيا ودوليا واصبح الشكل المقبول للاسلامين من وجهة نظر كل التيارات الاخري

ثانيا : ان تركيا استفادت من الاصلاحات الاجبارية التي فرضها عليها الاتحاد الاوروبي كشرط للانضمام اليه وهذه الشروط عبارة عن وصفة اصلاحية جاهزة للتطبيق وضعت تركيا علي طريق تحقيق ارقام اقتصادية مميزة وساعدها في ذلك ان نسبة 75% من الشعب التركي يريد تلك العضوية فهناك اعجاب شعبي واضح بالمعايير المدنية والاقتصادية الغربية رغم عيوبها الاجتماعية المعروفة للجميع - ولم تكن مسيرة التجربة التركية سهلة بل انها واجهت العديد من المعوقات الكبري وكان اهمها وصاية وتدخل الجيش الدائم في الحياة السياسية فعلي الرغم من انه جيش حديث وقوي وعضو في جيوش حلف الاطلنطي الا انه قام في الفترة من 1960 الي العام 1997 بالاطاحة باربع حكومات بما يشبه الانقلاب العسكري ولكنه ومؤخرا تراجع دوره وانصاع للمطالب الدولية والشعبية وانسحب تماما واقر بنتائج صناديق الاقتراع والتزم بدورة الطبيعي وهو حماية الامن القومي و ليس التدخل والوصاية بحجة حماية الدولة المدنية والدستور - و ما ننشده لمصر تلك النهاية التركية السعيدة وان يحقق الجيش المصري المطالب الشعبية المشروعة ويعود لثكناته ويترك الساحة للسياسين للعمل في ظل ديموقراطية حقيقية .. و نتمني ان نبتعد عن سيناريو النموذج الجزائري حيث يحكم الجيش علي الارض و لكنه يضع في خارج الصورة رئيس دولة ضعيف - بو تفليقه - و ان نبتعد ايضا عن سيناريو النموذج السوداني حيث تحالف الجيش هناك مع احد التيارات السياسية وسيطرا علي كل الامور ومازالا يحكمان معا حتي اليوم

لقد اكتسبت تركيا وعيا وحنكه واضحة علي الصعيد الاقليمي والدولي وقامت بتاسيس علاقات ومصالح مع الجميع واستطاعت كسب تعاطف قطاعات شعبية عربية كبيرة باتباع سياسة دعائية ماكرة واحيانا انتهازية - وقد اثار هذا النشاط التركي بالمنطقة غيرة مصر اكثر من قلقها واعتقد ان العلاقات بينهما ستشهد قريبا تطويرا ملموسا قائم علي التفاهم والمصلحة المشتركة لانني علي يقين ان مصر ستستعيد دورها الاقليمي والحضاري الذي يليق بها من خلال صياغة نموذجها الوطني الخالص و القائم علي رؤيه استراتيجية نهضوية جديدة

24.4.11

المادة الثانية من الدستور بين الابقاء او التعديل

خلصنا في التدوينة السابقة الي اننا يجب ان نضع نصب اعيننا اولا الكليات العامة واولها - اقامة الدولة الديموقراطية المدنية - دون ان نغرق في المشكلات الجانبية او ننجر لنقاشات عقيمة او صراعات طائفية او عنصرية وذلك من خلال حوار مجتمعي حقيقي وبشيء من الصبر وسعة الصدر . وكذلك توصلنا الي ان الدولة العلمانية تعني المغالاة في المدنية والتي لا تناسب مجتمعنا المتدين بطبعه حيث توجد للقيم الدينية هيمنة كبري علي الحياة العامة بصورة لا يمكن اغفالها . كذلك سيكون من الخطا محاولة تحقيق كل طموحاتنا دفعة واحدة وهو ما سيكلفنا ضياع كثير من الوقت والوقوع في خلافات جانبية و كان منها علي سبيل المثال نسبة ال 50 % للعمال والفلاحين بمجلس الشعب او المادة الثانية من الدستور وكان لهذه الاخيرة زوبعة كبيرة عند اثارتها فهناك من هدد بالتصعيد ان مسها احد او شرع في الغائها - وهناك من طالب بحل وسط يتمثل في تعديلها من خلال حذف الالف واللام لتصبح مصدر رئيسي للتشريع بدلا من المصدر الرئيسي للتشريع - والبعض الاخر اصر علي بقائها باعتبار انها لا تتعارض مع مباديء الدولة المدنية

وهذه المادة تم صياغتها والتوقيع عليها مع دستور 1971 وتنص علي ان : الاسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية ومباديء الشريعة الاسلامية المصدر الرئيسي للتشريع
وقد ذكرنا ان تركيا اعلنت العلمانية عام 1924 رغم ان دستورها ينص علي ان الاسلام هو الدين الرسمي للدولة - كذلك فان جميع دساتير الدول العربية تقريبا تنص علي نفس صيغة مادتنا الثانية هذه - كما ان بعض الدول الاوروبية بها مواد مشابهة عن المرجعية الدينية فمثلا الدستور الاسباني ينص علي ان راس الدولة يجب ان يكون كاثوليكيا وهو المذهب الرسمي للدولة - والدستور اليوناني ينص علي ان الدين الرسمي للدولة هو المسيحية الارثوزكسية - والدستور الدنماركي والسويدي ينص علي ان الملك يجب ان يكون من اتباع الكنيسة الانجيلية اللوثرية
و كذلك عندما تم صياغة دستور الاتحاد الاوروبي الموحد الموقع عليه عام 2004 بروما نص علي المرجعية الدينية المسيحية لدول الاتحاد رغم انها كلها دول مدنية وبعضها علماني ايضا ولا يوجد بدستورها ما ينص علي تلك المرجعية
ومن هنا نخلص لعدة حقائق :

اولا : ان الابقاء علي المادة الثانية لا يعني اي تعارض مع مباديء الدولة المدنية او مباديء حقوق الانسان او القوانين الدولية ولا ينتقص من حقوق اي طائفة بالمجتمع بل هي فقط تراعي مشاعر الغالبية وتجاملها ولا تستعدي او توقع اي ضرر بطائفة اخري ولن يعود عليها بفائدة جديدة لو تم الغاءها - فعندما تنص المادة علي ان الاسلام دين الدولة هو فقط اقرار بدين الغالبية من السكان تماما مثلما نقول ان ايطاليا دولة مسيحية رغم وجود اقليات دينية اخري بها

ثانيا : عندما تنص المادة علي ان مباديء الشريعة الاسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع لا يعني انها المصدر الوحيد للتشريع اي لامانع من الاخذ من مصادر اخري كالدين المسيحي او القوانين الدولية - والشيء الاخر الجدير بالملاحظة ان هناك فارق واضح بين القول مباديء الشريعة الاسلامية والقول احكام الشريعة الاسلامية

ثالثا : وجود هذه المادة ليس معناه اقامة الدولة الدينية والتي لم يعرفها الاسلام قط طوال تاريخة ولم يسعي او يشترط اقامتها وبالتالي لن يتم فرض نمط الحياة الاسلامية علي غير المسلمين بالقوة بل سيظل - كما كان و منذ صحيفة المواطنة بالمدينة المنورة - يعطيهم الحق في تنظيم شئونهم الاجتماعية وممارسة طقوس دينهم بحرية . وهو ما يتضح من نصوص المواد الاخري بالدستور والذي يجب قراءته كجسم واحد وكتلة متماسكة فهناك مواد تشرح وتفسر مواد اخري مما تضع حدودا تمنع التمييز باي صورة من الصور بين المواطنين او تنتقص من حقوق المواطنة - فالمادة 40 مثلا من نفس الدستور تنص علي ان المواطنين لدي القانون سواء وهم متساون في الحقوق والواجبات العامة ولا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس او الاصل او اللغة او الدين او العقيدة - ومما هو جدير بالذكر ان مباديء الانجيل هي التي تطبق في مسائل الاحوال الشخصية للاخوة المسيحين وذلك بنص القانون 462 لسنة 1955
اما ما يقوم به البعض من خلط بين الحق في بناء الكنائس وترميمها او خانة الديانة بالبطاقة الشخصية وغيرها .. فلا دخل للمادة الثانية بها وكلها امور تتبع قوانين اجراءية فرعية ولا يوجد بالدستور ما ينص عليها

رابعا : ان المرجعية الدينية بالدستور هي بمثابة الحماية للجميع من المغالاة والتطرف العلماني الذي قد يؤدي للجور علي حقوق بعض الطوائف او اعاقة ممارستهم لشعائر دينهم او طقوسه

وفي النهاية و من خلال التركيز علي اقامة الدولة الديموقراطية المدنية سناتي بمجالس شعبية منتخبة تمثلنا وبصدق وبالتالي ستخرج علينا بقوانين اجراءية ترضينا جميعا وتحقق طموحاتنا.. فلا خوف في ظل وجود الديموقراطية الحقيقية فمازلت دول عريقة ديموقراطيا تراجع وتطور من دساتيرها وقوانينها بناء علي رغبة وحاجة مواطنيها لتحقيق مزيد من الحرية والديموقراطية والعدالة الاجتماعية

19.4.11

الدولة الديموقراطية - الدولة المدنية - الدولة العلمانية

لا شك ان ما نحتاج اليه حاليا هو حوار مجتمعي حقيقي يشارك فيه كل التيارات الوطنية من اجل الوصول لقناعة جمعية وصيغة توافقية تتحدد من خلالها الهوية الوطنية
وفي هذه المرحلة الانتقالية ظهر علي السطح احداث متسارعة ونقاش حاد بسبب و حول التداخل الصارخ بين العمل الديني الدعوي والعمل السياسي العام حيث تطمح الجماعات الدينية بكافة اطيافها في لعب دور سياسي وطني وهو بلا شك حق للجميع وذلك لصالح المجتمع كله و لحماية الديموقراطية دون تهميش او اقصاء لاي فئة كانت وذلك في اطار قواعد واضحة ومقبولة وبالتالي يحترمها ويتبناها الجميع واولها الاصرار علي اقامة الدولة الديموقراطية المدنية . و وصل الجدل و اللبس حول مفاهيم الدولة المدنية والدولة العلمانية وانقسم الناس وتبني كل قطاع وجهة نظر واخذ في الدفاع عنها باستماته وهذا ليس بالشيء السيء بل هي ارهاصات ستؤدي في النهاية لصياغة الهوية المسقبلية المنشودة وهي دولة مصر الديموقراطية المدنية

فالدولة كنظام سياسي و ببساطة اما ان تكون ديموقراطية او غير ديموقراطية اي مستبدة سلطوية تتبني الديموقراطية شكلا لا مضمونا ومنها الدول الشمولية حيث حكم الحزب الواحد والفرد الواحد . ومنها الدول العائلية حيث العائلة تملك وتحكم وتتوارث كلاهما الملك والحكم . وهناك الدولة المدنية وعكسها الدولة الدينية والدولة العسكرية وفي الاولي يحكم رجال الدين كدولة الكاردينالات في الفاتيكان وهم ممثلو العناية الالهية ويشبهها لحد ما دولة ايات الله في ايران وعكس الدولة المدنية ايضا الدولة العسكرية والتي يصل فيها العسكر للحكم بالانقلابات العسكرية
اما الدولة المدنية هي التي يحكمها المدنيون من خلال دستور واضح وثابت مكتوب او غير مكتوب ولكنها ترتكز علي مبدا حق المواطنة الذي يضمن عدم التمييز بين المواطنين باي صورة من الصور لانهم متساون في الحقوق والواجبات

وما ننشده لمصرنا تلك الدولة المدنية بشرط ان تكون ديموقراطية في الاساس ترتكز علي الانتخاب السري المباشر في كافة نواحي الحياة السياسية وتلتزم بالمباديء الواردة بالمواثيق الدولية وحقوق الانسان وحرية التعبير وتقوم علي الفصل التام بين مؤسساتها السيادية التنفيذية والتشريعية والقضائية والدينية والعسكرية

وهناك دول ديموقراطية ولكنها شبه مدنية كاسرائيل مثلا حيث يوجد بها تدخل قوي للمؤسسة العسكرية وللاحزاب والقوي الدينية في شئون الحياة والسياسة وقد كانت تشبهها كثيرا تركيا حتي عام 2002

اما الدولة العلمانية فهي دولة مدنية وقد تكون ديموقراطية او غير ديموقراطية وهي تتبني الفصل التام بين الدين والحياة العامة حتي في ابسط الامور وهو ما يطلق عليه المغالاة في المدنية وكانت بدايتها التاريخية عند وجود الدولة الدينية في اوروبا في القرن الثامن عشر حيث بدا تمرد الناس علي الكنيسة حيث كان اغلبها دول دينية وهو ما لم نعرفه في تاريخنا الاسلامي ولم نسمع عن الدولة الدينية الا بعد نجاح الثورة الاسلامية الايرانية وان لم تكن دولة دينية تماما بالشكل الاوروبي القديم

ويذكر ان قليل من الدول الذي ينص دستورها علي انها دول علمانية ومنها الولايات المتحدة الامريكية وكندا وفرنسا والاخيرة هي اصرخ مثال علماني و قد عرضها للنقد الدولي اكثر من مرة كما حدث مؤخرا بعد صدور قانون منع الرموز الدينية ومنع النقاب . وكذلك تتفاوت درجة العلمانية من دولة لاخري حتي وان لم يذكر دستورها ذلك باعتبارها صورة من الدولة المدنية كاغلب دول الغرب . وهناك دول لظروف تركيبتها الطائفية المعقدة اختارت العلمانية منهجا كالهند ولبنان ومنها من اختار العلمانية لاسباب ايدولوجية وسياسية كتركيا التي اعلنت العلمانية ابان حكم كمال اتاتورك عام 1924 رغم ان دستورها ينص علي ان الاسلام هو الدين الرسمي للدولة
وللحديث بقية

16.2.11

على هامش ثورة مصر المنصورة 11- 2 - 11

وأخيرا نجحت ثورة مصر وثورة شعبها، وسقط واحد من أعتى النظم طغيانا واستبدادا في العالم، وهو ما لم يكن يتوقعه أشد الناس تفاؤلا . وهنا يجب أن نعتذر جميعا للشعب المصري الذي إتهمناه جميعا بالخضوع والإذعان، وتمادينا كثيرا في جلد أنفسنا ولكن أثبت هذا الشعب للجميع كم أنه عظيم وراقي في ثورته، وكيف نفض عن نفسه في لحظة ثورية فارقة كل ما كان يشوب شخصيته، أو ما كنا نظن أنها من المكونات الأساسية في شخصيته. ويا للعجب كما لو أنها كانت لمسة سحرية قد حدثت لشعب مصر كشفت عن معدنه النفيس بعد أن ساد الإحباط وفقدان الأمل كافة مناحي الحياة ولعقود طويلة، وتحقق ما كنا نردده ونحلم به من ثورة مليونية في يوم جمعة وفي عدة محافظات مصرية والتي ستكون الشرارة الأولى منها . فيتغير وجه مصر - وها هو قد كان وأصبح الحلم حقيقة وتنحى مبارك في هذا اليوم 11-2 -11

لقد غيرت ثورة مصر صورة العربي أيضا وبشكل إيجابي في العقل الغربي والعالمي بعد أن تم تشويه هذه الصورة بعد أحداث 11 سبتمبر

فثورة مصر المنصورة والتي أشعل شرارتها ومن البداية شباب مصري كشف عن مدى وعيه وإدراكه لوسائل عصره وإبداعه في كيفيه تنظيمه للحدث وبشكل رائع؛ وهو ما أعطاه تلك الصورة البراقة والمشرفة، ومنحه تأييد العالم كله، وجعلنا نفتخر جميعا بمصريتنا في كل مكان، وأعاد لنا مصرنا العزيزة وإبتسامتنا المفقودة، وإن شاء الله لن نتخلى عن طموحاتنا وسنعبر بمصر تلك الفترة الانتقالية الضبابية، ونصنع نموذجا ديمقراطيا كاملا، ونحن بمنتهى اليقظة والإصرار سنستثمر هذه اللحظة الثورية في تاريخ مصر لنصنع لها مستقبلا نفتخر به، ونرضاه لمصرنا العزيزة

وبعيدا عن الرصانة بعض الشيء وعلى هامش الحدث العظيم فمن حقنا أن نفرح، ونتخلي قليلا عن جديتنا؛ فلقد ذكرتني تلك الأيام ببعض الأشياء أولها أن المنصورة تحتفل في ذلك اليوم 11 فبراير من كل عام بانتصارها علي الحملة الصليبية السابعة علي مصر بقيادة لويس التاسع، والذي تم أسره بدار ابن لقمان الشهيرة بالمنصورة، وكان ذلك يوم 11 فبراير 1250 ، ولكن من اليوم سيحتفل شعب المنصورة بانتصار 11 فبراير 1250 على الصليبين، وكذلك برحيل حسني مبارك في 11 فبراير2011 وبالمشاركة في انتصار شعب مصر كله في أول ثورة شعبية حقيقية

وأيضا ومن الغريب أنه حدث في 11 فبراير 1979 أن تم إعلان نجاح الثورة الإيرانية وسقوط الشاه

والشيء الملفت فيما سبق هو تكرار ذلك الرقم 11 ، والذي يطلق عليه من يعملون بالتنبؤ والتنجيم بالرقم السحري، وإن كنا لا نؤمن أو نصدق ما يقولونه، فإن لي قصة طريفة مع هذا الرقم، أذكر أنه بعد أحداث 11 سبتمبر، وفي مقابلة تليفزيونية بمحطة إيطالية سألت المذيعة أحد المتخصصين في نبوءات نوستراداموس - وهو الطبيب اليهودي الفرنسي والمنجم الشهير، والذي أتهمه البعض بسرقة محتويات مخطوط إسلامي وكان به أحاديث لأبو هريرة عن فتن آخر الزمان، ونقل منها تلك النبوءات، وأنه طمس وأخفى بعض حقائقها أو وضعها في غير ترتتيبها حتى لا يُتهم بالسحر وتتم محاكمته - وكان عندما يحدث بالعالم شيء جلل تجد المتخصصين في ذلك المجال يخرجون علينا بنبوءة كانت مكتوبة ومسجله عند نوستراداموس - وان كان هذا ليس موضوعنا - عموما سالت المذيعة ذلك المتخصص عما حدث في 11 سبتمبر فقال لها: إن السر في رقم 11 والمكون من 1+1 والرقم واحد هو بداية الارقام بمعني حدث فارق، وبداية مرحلة جديدة، والرقم واحد بالغة العربية يكتب كالحرف ألف وهو بداية الحروف، وكذلك لو لاحظنا شكل البرجين اللذين سقطا بأمريكا هما كالرقم 11 أي أنه حدث فارق وأن العالم قبل أحداث 11 سبتمبر لن يكون هو نفسه بعد ذلك التاريخ - كل ذلك قاله الرجل ولك أن تصدق أو تكذب أو تقول كذب المنجمون ولو صدقوا - ولكن المفاجأة كانت في السؤال الثاني فقد سألته المذيعة السؤال التالي: بحكم معرفتك وتخصصك بنوستراداموس،  ما هو الحدث الجلل التالي الذي سيحدث بالعالم ويغيره بعد أحداث 11 سبتمبر؟ قال الرجل: قريبا ستهتز مصر وترتجف !! واكتفى ولم يضف أي شيء آخر - كان هذا من حوالي عشر سنوات وعندما اندلعت الثورة المصرية المباركة فرحت ككل الملايين، ولكني تذكرت الرجل وقلت في نفسي كذب المنجمون ولو صدقوا ولكنني و لذلك ربما كنت أكثر الخائفين على مصر من انفلات الأمور الأمنية أو حدوث فوضى عارمة، خاصة عندما انسحبت الشرطة من الشارع وتم إطلاق المجرمين على الناس، وانتشرت تلك الأعمال الإجرامية بطول مصر وعرضها؛ ووضعت يدي على قلبي وتضاعف رعبي يوم الجمعة 11 فبراير؛ لأنه يوم الرقم السحري، وظللت طوال اليوم أتابع الأحداث لحظة بلحظة، وبمشاعر مختلطة بين الخوف والرجاء، وبالفعل تحققت النبؤة واهتزت مصر كلها ولكن فرحا وانتصارا !!! وسيكون فعلا يوم 11 فبراير 2011 حدث فارق وبداية رائعة لمصر، وأيضا لعصر جديد لمصر حرة وعزيزة