نهوض مصر..

المرء ليس محاسبا على ما يقول فقط ، بل هو محاسب على ما لم يقله إذا كان لابد من أن يقوله !







2.12.12

ملاحظات علي مواد دستور مصر

اولا احب ان اؤكد علي انه بالرغم من انني لست خبيرا قانونيا او فقيها دستوريا الا انه من حقي كمواطن - وبحكم عملي كمترجم قانوني فازعم ان لدي القدرة علي تدقيق الالفاظ والتمييز بين النصوص المنضبطة من عدمها -  ان ابدي رايي علي مواد هذا الدستور والذي اجدني ككل المواطنين امام خمسة خيارات من الان وحتي يوم 15 ديسمبر وهي :  التصويت ب لا او التصويت ب نعم او ان اقاطع او ان اُبطل صوتي او ان اتبني الدعوة لعرقلة هذا الاستفتاء وحث القضاة علي عدم الاشراف عليه او ان اتبني دعوات العصيان المدني ..  ومن هنا كان علي ان اقرا هذا المنتج كاملا وابدي ملاحظاتي عليه من حيث المبدا وبشكل مستقل عن خياري النهائي .. كما انني لا احرض احدا علي اتخاذ قرار بعينه ..  واهم ما احب ان انوه اليه هنا هو 
 
اولا : انني كنت اتمني ان يتم كتابة هذا الدستور في ظروف افضل وبشكل توافقي يُرضي جميع الاطراف دون ان نري انقسامات او انسحابات وبالتالي لا يخرج الينا دستورا يتهمه الكثير بانه يمثل تيارا واحدا صوتوا عليه في جنح الليل وفرضوه علينا في الصباح بالقوة وعلي الجميع اما قبوله كما هو والتصويت عليه ب نعم او استمرار الاعلان الدستوري الرئاسي المستبد لفترة طويله
 
ثانيا : ليس خفيا علي احد انه جرى تمرير الدستور الجديد بسبب ماتم عقده مسبقا من صفقات وتسويات بين الاخوان وثلاثة فئات وهم العسكر والتيار السلفي  ورجال الاعمال حيث التوجة الراسمالي توجه اخواني اصيل ..  فكان للجيش ما اراد وبنص الدستور واكثر حتي مما جاء بوثيقة السلمي التي كان اول المعترضين عليها من التيار الاسلامي باعتبار انها تجعل الجيش دولة داخل الدولة .. وقدموا من خلال الدستور ونصوصه للتيارات السلفية بعض التنازلات في المواضيع الاجتماعية .. وسايروا كبار رجال الاعمال في تهميش قضايا العدالة الاجتماعية والنقابات وحقوق العمال
 
ثالثا : الصبغة الاسلامية المتعمدة علي كثير من مواد الدستور ارضاءا للتيار الذي صوت عليه بشكل يرضي التوازنات داخل هذا التيار رغم ان المادة الثانية كانت تكفي دون هذه الزيادات كاعتبار التربية الدينية مادة اساسية بالتعليم وذلك بالمادة 60 والمادة 10 التي تؤكد علي قيام الدولة بحماية القيم والاخلاق والمادة 11  التي تجعل من الدولة مربيا اخلاقيا للناس والمجتمع مما قد يسمح للدولة بالتدخل في الحريات الخاصة للمواطنين مستقبلا وكذلك المادة 4 التي تعطي الازهر مرجعية لا داعي لها للمشاركة مع البرلمان فيما يتعلق بقوانين الشريعة  وهي زيادة متعمدة  وكذلك وضع لفظ الشوري بجوار الديموقراطية دون داع بالمادة 6  بل قد تؤدي لتعارض .. واغفال حرية الاعتقاد وممارسة الشعائر لمن هم من غير الشرائع السماوية الثلاث حسب المادة  43
 
رابعا : كثرة مواد الدستور وطولها حيث وصلت الي 234 مادة في حين ان اغلب دساتير العالم اقصر كثيرا واكثر تركيزا فالدستور الايطالي مثلا عدد مواده 139  مادة فقط .. ورغم كثرة مواد دستورنا الجديد الا ان هذا الدستور قد اغفل كثيرا مما كنا نحلم ان نراه في دستور يليق بمصر بعد الثورة كاغفال المادة 187 لانتخاب المحافظين او عدم ذكر الضرائب التصاعدية كمطلب ثوري عند الحديث عن ربط الضرائب بالعدالة الاجتماعية بالمادة 26  - او اغفال انتخاب شيخ الازهر بالمادة 4 
                                وكذلك اغفال بدل البطالة وحقوق متحدي الاعاقة او اطفال الشوارع او عدم التفرقة بين المجندين في طول فترة التجنيد بسبب مؤهلهم الدراسي واغفال ذكر حق العمال كاملا في الاضراب وتوقيته وليس حسب القانون - او رقابة مجلس الشعب علي الصناديق الخاصة  اس الفساد بالدولة - او مساعدة الدولة للاحزاب السياسية لتدعيم قدرتها التنافسية بدلا من ان يسيطر عليها اصحاب المال - وكذلك خلو المادة 48 من حظر الحبس في جرائم النشر وايضا عدم وجود النص علي الغاء وزارة الاعلام للابد ..الخ
 
واليكم بعض الملاحظات الاخري علي بعض المواد التي لم اذكرها سابقا
المادة 14 تشترط ربط الاجر بالانتاج وليس الاسعار او عدد ساعات العمل او عدد افراد الاسرة
المادة 49 تسمح بانشاء الصحف بالاخطار اما القنوات الاذاعية والتليفزيونية فتتطلب اجراءات وموافقات حسب القانون الحالي 
المادة 52 يجوز للسلطة بحكم قضائي ان تحل النقابة كاملة وليس مجلس ادارتها فقط وهي مادة تعسفية وسيطرة السلطة علي النقابات
المادة 53 تمنع انشاء اكثر من نقابة واحدة لمهنة واحدة وهو ما يتعارض مع مبدا الحرية النقابية
المادة 54 تسمح لمخاطبة السلطات العامة بشكل وتوقيع فردي ولا تقبل مجموعة توقيعات تم جمعها بواسطة مجموعة ما لطلب ما
 المادة 63 تقول ان العمل واجب !!  كما لو كان اجباريا او سخرة علي المواطن 
المادة 70 تحظر تشغيل الاطفال باعمال لا تتناسب مع اعمارهم !!  وكان المفروض ان تمنع تشغيلهم مطلقا
المادة 73 تقول منع تجارة الجنس وهي عبارة غير مفهومة وكان يفضل بدلا منها عبارة منع الاتجار في البشر
المادة 114 وكذلك المادة 129 لا تمانعان ان يكون عضو البرلمان او مجلس الشوري حاملا جنسية اخري في حين ان مواد شروط الرئيس او رئيس الوزراء تمنع هذا وهنا تمييز وتفرقة بين المواطنين في الحقوق فكان يتوجب المنع الكلي او الاباحة الكلية 
المادة 59 وكذلك المادة 62 لا تتحدثان عن حصة تفضيلية او اولوية معينة للبحث العلمي او الصحة من الناتج القومي مقارنة بالقطاعات الاخري كالجيش والداخلية ولذلك سيبقي الوضع كما هو اي في ذيل القائمة 
المادة 128 الي المادة 131  والخاصة بمجلس الشوري لم توضح لنا اهمية وجود هذا المجلس والذي طالب الكثيرون بالغائه اللهم سوي ذكر اهميته عند اخذه مهام مجلس الشعب حال غيابة - رغم اننا كنا نرفض ان يقوم الرئيس بتعيين اعضاء بالمجالس المنتخبة لما يسببه من خلل ديموقراطي 
المادة 129 الوحيدة التي حددت المؤهل الدراسي لعضو مجلس الشوري في حين اغفلت المادة 134 وكذلك ما حدث ايضا بالمادة 156 اغفلت ايضا المؤهل الدراسي للمترشح لرئاسة الجمهورية او مجلس الوزراء وهو مبدا تميزي غير ثابت فاما الافصاح او الاهمال اعمالا لمبدا المساواة بين المواطنين 
المادة233 تعلق نصوص تطوير الادارة المحلية مؤقتا والتي نعتبرها اساس وقاعدة الديموقراطية الحقيقية وان يتم تطبيق تلك النصوص الجديدة بالتدريج خلال عشر سنوات
المادة195 يعين الرئيس وزير الدفاع من الضباط دون تحديد رتبته او يشترط موافقة المجلس الاعلي العسكري .. وكنا نفضل كالدول الديموقراطية ان يكون وزير الدفاع  سياسي ورئيس الاركان رجل عسكري
المادة 198 يجوز محاكمة المواطن المدني امام القضاءالعسكري وهذا لاول مرة في تاريخ مصر الدستوري ان ينص به علي ذلك -   المادة 202 يعين الرئيس رؤساء الهيئات المستقلة والاجهزة الرقابية  وهي اخطر المواد فكيف لهذه الاجهزة ان تراقب من يعينها
المادة 231 تؤكد علي اعادة الانتخابات لمجلس الشعب بنفس القواعد تقريبا التي فاز بها التيار الاسلامي المرة السابقة 

10.11.12

جمعة تطبيق الشريعة

كنت اعتقد ان الجدل بخصوص المادة الثانية  قد حُسم بعد التوافق عليها من : القوي المدنية والازهر والاخوان وغالبية السلفين وخرجت كما هي بمسودة الدستور  ولكنني اجدني مضطر للكتابة عنها مرة اخري !!  فالمادة الثانية من المقومات الاساسية للدولة بالدستور القديم ومسودة الدستور الجديد تنص علي ان : الاسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية ومبادئ الشريعة الاسلامية المصدر الرئيسي للتشريع
 
ولكن مظاهرة جمعة تطبيق الشريعة خرجت تطالب بان تكون احكام الشريعة هي مصدر التشريع ورفضت المادة بوضعها الحالي - ومن هنا انقسم المجتمع لنصفيين الاول مع مبادئ الشريعة والاخر مع احكام الشريعة ولذلك توجب علينا ان نعرف الفارق بينهما
 
اولا : مبادئ الشريعة  هي المقاصد العامة اي الغايات والمصالح التي اتت الشريعة لتحقيقها في دنيا الناس كالحفاظ عي النفس والمال والعرض والنسل والدين والعقل وهي امور لا تتحقق الا بمراعاة التيسيير والسماحة وتحقيق المصلحة العامة والتعايش السلمي وهي قيم مجتمعية نسميها اليوم القيم المدنية وهي التي ترسخت في الضمير الانساني العالمي بناء علي تجربته التاريخية علميا ودينيا وهي لاتتعارض مع الشريعة بل اقرتها جميعا . والتزم بها المشرعون في كل دساتير العالم  وقد اكدت المحكمة الدستورية العليا في تفسيرها لمصطلح مبادئ الشريعة بانها الاحكام قطعية الثبوت قطعية الدلالة . وعددها حوالي عشرة مبادئ اهمها : لا ضرر ولا ضرار - ودفع المضرة مقدم علي طلب المنفعة - ولا اكراه في الدين .. وغيرها ولا يوجد قانون مصري واحد حاليا يتعارض مع مبادئ الشريعة
 
وثانيا : احكام الشريعة هي التفصيلات المتعلقة بالحلال والحرام وطبعا الواجب والمندوب والمكروه والمباح وتشمل كل شئ مثل العبادة والاقتصاد واحكام الاسرة والزنا والحج والربا والسرقة وطريقة تطبيق الحدود بها
ولكن هذه الاحكام كثيرة ومتشعبة . وفي كل مسالة ستجد عشرات من الفتاوي الفقهية المختلفة والمتعارضة احيانا . علاوة علي انها تتغير بتغير الزمان والمكان اي تتغير حسب شكل المجتمع وظروفه وتركيبته .  ولا ننسي كذلك اختلاف تصور كل مذهب من المذاهب لكل حكم من تلك الاحكام    
 
وبناء عليه وحسب هذا الواقع المعقد سندخل في اشكالية كبيرة جدا فمن الذي لديه التصور الصحيح والمقبول من الجميع والذي يناسب ظروفنا وقابل للتطبيق الان ؟ ان دخولنا هذا المنحني وبهذا التشويش سيؤدي حتما لعدم كتابة دستور اصلا  او علي الاقل عرقلة كل التشريعات القادمة ؟ وهل ظروفنا الحالية تتحمل صراعا من هذا النوع الان ؟  
اعتقد انه من الواجب علي اصحاب هذا التوجه ان يتفقوا اولا فيما بينهم علي نصوص هذه الاحكام  داخل تصور واضح وشامل قبل المزايدة علينا وكاننا لسنا مسلمين في بلد اسلامي لا تتعارض اي من قوانينه مع الشريعة في شئ ؟  ولماذا وقبل المطالبة بتطبيق احكام الشريعة ان نطالب جميعا بتفعيل الشروط الدنيوية الواجب توافرها لتطبيق احكام الشريعة  كالقضاء علي الفقر والجهل والفساد والمرض ؟  بدلا من ان يفرض اي منا وجهة نظره قسريا علي المجتمع  دون رغبته ودون تهيئته !! ولماذا لا نسعي معا جديا وفورا لتحقق الاهداف التي خرجت من اجلها الثورة اولا وهي : عيش . حرية . عدالة اجتماعية . كرامة انسانية  
 


30.10.12

لماذا تخلت اسرائيل عن كتابة الدستور ؟

هل تعلم ان اسرائيل ليس لها دستور رسمي مكتوب ؟ ولكن هناك مجموعة من القوانين الاساسية التي تستخدم كادوات قضائية بديلة عنه ولعل السبب الرئيسي في عدم وجوده هو اصرار المتشددين اليهود دوما علي فرض وجهة نظرهم في كل مرة يتكرر الحديث عن كتابة هذا الدستور .. ولقد فطن المؤسسون الاوائل لذلك وكان عدد كبير منهم من المؤسسين للحركة الصهيونية ولم يكن اغلبهم من المتدينين بل كانوا جزءا من الاشتراكية الدولية ولم يكن في بالهم عندئذ اقامة دولة دينية ولكن ايجاد ملاذ لليهود بالعالم في شكل دولة عصرية 
وبدا هذا الصراع عند كتابة اهم وثيقة اسرائيلية وهي اعلان الدولة عام 1948 ولم تحذف التعبيرات الدينية من المسودة الا بعد تدخل بن جوريون ..  واستمرت المحاولات لكتابة دستور الدولة واستمر الاستقطاب بالمجتمع فالقوي المدنية تريد دستورا يشبه دساتير الدول الغربية الديموقراطية اما المتدينون فكان لهم دوما موقفين : الاول يوافق علي كتابة دستور بشرط الايخالف شرع الله . والثاني يرفض اي دستور من صنع البشر طالما ان لديهم التوراة والتي تعتبر دستورا الهيا متاحا
 
وعلي غرار ماحدث بعد ثورة 25 يناير بمصر وما يحدث غالبا بعد التحولات الكبري بالمجتمعات ان يتنامي ويعلو الصوت الديني وتركب الاحزاب والحركات الدينية الموجة  . حدث نفس الشئ باسرائيل بعد حرب 1967 حيث غيرت الصورة السياسية في اسرائيل فكانت فرصة تلك التيارت الدينية كبيرة حيث زعمت ان الانتصار الاسرائيلي علي ثلاثة دول عربية كان مدعوما من الرب وان الحلم بدولة اليهود الكبري بدا يتحقق ولابد من احلال قوانين الشريعة التوراتية محل القوانين الوضعية ولم يتورعوا في مرات كثيرة علي استخدام العنف لاثبات وجودهم والذي ظهرت ذروته عند اغتيالهم اسحق رابين في 4 نوفمبر 1995 كما فعل المتطرفون نفس الشئ مع السادات
وكانت اهم الادوات التي استخدمتها القوي المدنية في تحجيم تلك القوي الاصولية  - والحد من وصايتها علي المجتمع كله  وعمل فصل بين السياسة واستخدام ادوات دينية في الصراع السياسي - ان اتجهت للتكتل والاندماج والذي لم يكن صعبا علي عكس الحركات الدينية التي تختلف في رؤيتها ومدي تشددها والتي تنقسم لثلاثة تيارات اساسية فمنها الصهيوني المتعصب كحزب المفدال القومي ومنها الديني التقليدي كحزب شاس ومنها الاخر السلفي المتشدد (الحريديم) والمطالب بتطبيق الشريعة كحركة اهودات اسرائيل
وتشكلت في اسرائيل قوتان مدنيتان يحكمان ويتبادلان السلطة من فترة طويلة اولهما حزب الليكود وهو نتيجة اندماج احزاب وحركات اليمين والوسط والقوة الاخري هي حزب العمل وهوحصيلة سلسلة من الاندماجات في المعسكر اليساري العمالي والنقابي ومؤخرا لم يعد بمقدور اي منهما ان يحكم بمفرده دون الائتلاف مع احزاب صغيرة ومنها طبعا الاحزاب الدينية والتي لم تستطع ان تحقق باي انتخابات نسبة اعلي من 15 % من نسبة اجمالي مقاعد الكنيست والتي تبلغ 120 مقعد  . ولكن هذا الائتلاف له دوما ثمن ومقابل تمثل في ابتزاز وحصول علي امتيازات وتمويلات لانشطتهم الدينية السياسية
 
وهذا الصعود المتنامي للتيارات الدينية هو ما جعل القوي المدنية يتخلون عن فكرة كتابة الدستور تجنبا للصراع والمزايدات الدينية بالشارع .. وكذلك اصبحوا اكثر ايمانا بان الاندماج وتوحيد الصف هو السبيل الوحيد للمحافظة علي مدنية دولة اسرائيل وابعاد رجال الدين عن السياسة .. ورغم تلك الديموقراطية تظل اسرائيل دولة عنصرية واقصائية ومحتلة لاراضي الغير  
      

8.10.12

الفاتيكان ...عندما يحكم رجال الدين

هي أول دولة يحكمها ويسيطر عليها رجال دين وبشكل كامل، رئيسًا وحكومة وموظفين وسفراء.
في العام 1929م أصبحت الفاتيكان دولة مستقلة وذات سيادة، بعد الاتفاق بين موسوليني والبابا وذلك لفض الاشتباك بين الجمهورية الإيطالية والفاتيكان، ومنع تدخل رجال الدين في السياسة، ولكي لا يكون للدولة الإيطالية رأسان في قلب روما بل دولتين مستقلتين. 
والفاتيكان ليس بها تداول للسلطة، ولا شأن للعامة بسياسات الحكومة ولا لأحد رقابة على ميزانيتها، ومصادر دخلها من تبرعات وصدقات المؤمنين، إضافة لإيرادات بعض الأوقاف والسياحة. وهذه الدولة المتناهية الصغر، العظيمة النفوذ لا تتعدى مساحتها نصف كيلو متر مربع، وعدد سكان لا يتعدى 800 شخص، ولكن يتبعها حوالي مليار وربع كاثوليكي حول العالم.

رئيس الدولة هو البابا، ويسكن في قصر مكون من 1400 حجرة وحكومتة مكونة من 400 أسقف، ويعين البابا 120 كاردينالًا مندوبين عنه في كنائس العالم، يجتمعون جميعا معا بالفاتيكان عند وفاة البابا ولا يغادرون مكانًا مغلقًا عليهم إلا بعد اختيار أحدهم خليفة للبابا مدى الحياة  - تقريبًا على طريقة اختيار خليفة المسلمين في عهد الصحابة -وقديما كان لابد وأن يكون البابا إيطاليًا، وتم كسر القاعدة في عام 1978م  باختيار بولنديًا بابا وهو يوحنا بولس الثاني.

عندما تتجول في الفاتيكان - على الأقدام طبعا - تشعر أنك في بيت من الأسرار فكل ركن فيها تحته سر عظيم؛ بسبب ما حُكي عنها من قصص وأحيانا خرافات عن أسرارها كالأرشيف السري، وفرسان المعبد، والأسرار المدفونة أسفلها، وكذلك قصص الصراعات بين الأساقفة، وما شهدته الدولة من الفساد المالي والأخلاقي لكثير من رجالها، ولكن لم يجرأ أحد على توثيق هذه الأحداث لأن التكفير كان بانتظاره، كل ذلك الغموض وهذا التنظيم السري المتقن هو ما أضفى على الفاتيكان هذه الهالة من الغموض والقوة والمهابة.

تم بناء أول كنيسة بها في عهد القيصر قسطنطين عام 324 ميلادية واكتملت الفاتيكان عام 1475م بكنيسة السكستين الشهيرة والتي رسم جدرانها بيديه الفنان مايكل أنجلو.
وظل القيصر قسطنطين هو الآمر الناهي في روما إلى أن نقل مركز الإمبراطورية إلى بيزنطه عام 324 م، ورحل هو والعسكر عن روما وترك وراءه فراغًا في السلطة، وكان لابد أن يشغله جماعة منظمة، ووجد رجال الدين أنفسهم فجاة يحكمون روما من مقر الفاتيكان.

وتولي البابا - رجل الدين والمرشد الروحي للكاثوليك - حكم روما، وكان عليه أن يُضفي على نفسة شرعية تجبر العامة على الانصياع لأوامره؛ ولم يكن هناك أفضل من أن يعلن أنه صاحب السلطة المطلقة التي لا تخطأ أبدًا لأنها مفوضة من السماء، ولا تعلوها سلطة دنيوية.
  وكان أول اختبار حقيقي لقوة هذه السلطة في العام 1077 م عندما استطاع البابا جريجور الانتصار على القيصر الألماني هاينريش، حيث قام  بتكفيره وإخراجه من الدين المسيحي أمام شعبه ولم يتركه حتى أذعن له وطلب منه الصفح وقَبّل يده علانية.
وعندها أيقنت أوروبا المسيحية مدى قوة البابا السياسية؛ بسبب قوته المدعمة من السماء، وبعد أن استطاع أن يزلزل عروش الملوك بسبب فتاوى التكفير.
ولا يخفى على أحد كيف استغلت الكنيسة الفلاحين والبسطاء وزجت بهم في الحروب الصليبية على الشرق الأوسط باسم الرب،
وظلت روما دومًا مقرًا للباباوية إلا مرة واحدة، حيث انتقلت إلى نابولي عام 1294م على يد البابا كولستين الخامس، والذي كان يكره روما وفساد أخلاقها، وكان يحب الفقراء وحياة الزهد، ويقدس القيم المسيحية السامية. ولكن هذا لم يعجب الأساقفة الذين أفسدتهم السلطة  - فالسياسة والسلطة تفسد المتدينين  - فقاموا بعزله وسجنه ومات المسكين بعد عام ونصف، وعادت الباباوية لروما كسابق عهدها وسيرتها الأولى.

وكانت هذه الدولة الصغيرة ذات مصروفات كبيرة وبحاجة دائما للمال لتغطية أنشطتها؛ فقام البابا بونيفاتس الخامس بإصدار مرسومه الشهير والذي ينص على أن الكنيسة بالعالم واحدة، كاثوليكية مقدسة، وسلطة البابا شاملة وعالمية، ولا خلاص أو غفران لأحد إلا عن طريق هذه المنظومة؛ فأصدر صكوك الغفران مقابل المال، ثم خرجت صكوك غفران للموتى، وأخرى تمحو خطايا المستقبل؛ فامتلات الخزائن. واستمر الحال إلى أن جاء الألماني مارتن لوثر، والذي غير المسيحية بطباعته ونشره إصدارات ومنشورات ضد الفاتيكان والبابا، وتطورت الأحداث وبقوة وكانت بمثابة ثورة أوروبية شعبية ضد الكنيسة ورجالها، شارك في هذه الثورة  الكثيرون من المعترضين والرافضين للفاتيكان إلى أن وصل الأمر في النهاية إلى أن انقسمت الكنيسة إلى نصفين: كاثوليكية، وبروتستانتية.

 ورغم فقدان الفاتيكان وقتها الكثير من المصداقية في قلوب تابعيها بسبب:
فساد بعض رجالها وتدخلهم في السياسة، ومحاربتهم  للعلم والعلماء، ورفضهم لكل جديد، وتصديهم لإعمال العقل باستخدام نصوص الدين والفتاوى الجاهزة؛ إلا أن الفاتيكان ما زالت تتمتع بسطوة دينية وأدبية في نفوس الناس لاقتناعهم بأنها ما تزال تتحدث باسم الرب 

16.9.12

ازمة اليونان .. واوجه الشبة مع الحالة المصرية

بعد ان اطلت علينا مشكلة قرض صندوق النقد الدولي لمصر والجدل الدائر عنه تذكرت اليونان  والتي يجب ان نعرف ماذا حدث لها ولماذا قاربت علي الافلاس والانهيار الاقتصادي بل والطرد من الاتحاد الاوروبي ؟ .. وهل هناك اوجه للتشابة مع الحالة المصرية ولماذا نحذر دوما من خطورة القروض ؟ .. ولان مشكلة اليونان والتي سنعرضها بشكل مبسط تتلخص في امرين اساسين : القروض والفساد
اليونان يبلغ عدد سكانه حوالي 11 مليون نسمة ( مصر 91 مليون نسمة ) ويبلغ الناتج المحلي الاجمالي اليوناني حوالي 330 مليار دولار في 2009 ( مصر 480 مليار دولار - عن نفس العام ) وحسب التحليلات الاقتصادية فان اسباب المشكلة تتركز في
ا- زيادة كبيرة في الدين العام وعجز كبير بالموازنة العامة
ب- انتشار الفساد والرشاوي وتفاقم ظاهرة التهرب الضريبي

لقد اكتشف العالم ان اليونان تكذب  ولا تذكر الحقيقة عن موقفها المالي حتي وصل حجم الدين العام الي 408 مليار دولار ( مصر 222 مليار دولار -  حسب البنك المركزي ) تم انفاقها علي مشروعات لاعلاقة لها بالنمو الاقتصادي ووصل عجز الموازنة العامة اليونانية الي 13% ( مصر 10% - حسب وزارة المالية ) مع ان دول الاتحاد الاوروبي لا تسمح بان تتعدي النسبة 3% وبالتالي تم تخفيض التصنيف الائتماني لليونان من جانب المؤسسات الدولية ( وكذلك مصر ) حتي اعتبرت السندات اليونانية مجرد خردة لا تستحق الشراء ومما فاقم الازمة اكتر خروج تقارير عن حجم مهول من الاموال اليونانية المهربة للخارج قد تصل الي 270 مليار دولار ( مصر 134 مليار دولار - حسب تقديرات البنك الدولي ) ولقد قام اليونانيون بسحب تلك الاموال قبل وبعد الازمة خوفا من انهيار اقتصادي تام واحتمال العودة للعملة القديمة ( الدراخمة ) بدلا من اليورو مما قد يترتب علية انخفاض قيمة هذه الودائع الي نصف قيمتها
ومن الطريف حسب بعض الاحصائيين ان حوالي 1000 يوناني فقط  يمتلكون وحدهم اكتر من 320 ملياردولار ( اعتقد ان النسبة قد تزيد قليلا عن مصر !!) وقد تلكات الحكومات في اتخاذ خطوات جادة لاصلاح الخلل

كما ذكر ايضا اتحاد الصناعات اليونانية ان اليونان تخسر حوالي 30 مليار دولار سنويا بسبب التهرب الضريبي  ( مصر حوالي 5 مليار دولار -  حسب تقارير صحفية عن الفساد  ) والذي اصبح جزءا من ثقافة اوسع تتمثل في الرشوة والفساد بين المسئولين الحكوميين وخاصة مصلحة الضرائب

ربما تكون هذه هي اهم عناصر المشكلة .. وفي بداية الامر رفضت منطقة اليورو المساعدة لصغر حجم الناتج المحلي الاجمالي اليونالي والذي لا يتعدي 3% من من الناتج الاوروبي  وان اليونانيون قد اسرفوا في الاقتراض وعاشوا في مستويات رفاهية لا يستحقونها ولكن الخوف من انتشار العدوي لدول اخري متعثرة كالبرتغال واسبانيا وايطاليا دفع دول الاتحاد الاوروبي من جديد للتدخل  وبمساعدة صندوق النقد الدولي !! ولكن كانت نتيجة هذا التردد والتلاعب يالوقت ان صعدت قيمة خطة الانقاذ المطلوبة الي حوالي 160 مليار دولار ( مصر تحتاج الي  30 مليار دولار - حسب تصريحات حكومية )  وقد تحتاج الي عشر سنوات للتعافي وتجاوز الازمة وكان من الممكن  تفادي الازمة كلها لوتم اعادة هيكلة دفع الديون  كما فعلت دول اخري  ..  ولكن المشكلة الان كيف تقوم الحكومات بتمرير الشروط المفروضة عليهم من هذه المساعدات والقروض في ظل غضب شعبي عنيف فخطة التقشف الجاهزة للجميع ( بما فيها مصر ) تتلخص في الخصخصة وخفض الحد الادني للاجور ورفع سن التقاعد وخفض الدعم وخفض نفقات التعليم والصحة 
ومن هنا خرجت وستخرج المظاهرات تقول لا لتضحيات يدفعها فقط الفقراء وانه يجب علي اصحاب المال ان يدفعوا ثمن الازمة