نهوض مصر..

المرء ليس محاسبا على ما يقول فقط ، بل هو محاسب على ما لم يقله إذا كان لابد من أن يقوله !







11.12.13

ثورة مصر بعد دستوريين - دراسة مقارنة

 سبق وأن كتبت في التدوينة قبل السابقة منذ عام عن ملاحظاتي على دستور مصر 2012 فكان لزاما عليٌ -  ومن الانصاف ولدرء شبهة التحيز - أن أدلي بملاحظاتي على مسودة  دستور 2013 .. وإن كان من الواجب أن نقرر وفورا أن هذه المسودة الأخيرة لا تمثل ثورة مصر، وحالتها الثورية المستمرة، ولم تحقق مطالبها الأساسية بعد .. فبعد 720 ساعة عمل على مدار 56 جلسة عقدتها لجنة الخمسين؛ خرجت مسودة  دستور 2013 بعدد 247 مادة متفوقة على دستور 2012 والذي كان عدد مواده 234 وقد كنا نعيب عليه طول وكثرة عدد مواده؛ وقد تم إلغاء بعض مواد الدستور السابق ومنها: 11/12/29/44/85/212/213/214/219/232  وتم إضافة بعض المواد لمسودة الدستور الجديد ومنها: 31/41/43/49/61/161/189/234/235/237/244/299  

وكتابة الدستور كما نعلم هو عمل إنساني جماعي، لايخلو من النواقص خاصة بسبب التوازنات والتوافقات التي تتم بين الأطراف المشاركة في كتابته، وكذلك سيكون من الظلم أن نقارن هذا الدستور بدساتير دول العالم المتحضر؛ ألا أننا لابد وأن نقرر أن النصوص بهذه المسودة والخاصة بالحقوق والحريات أفضل بكثير من نظيرتها بدستور 2012 والتي أثارت الكثير من الاستقطاب والرفض ولكنهما إلتزما نفس الخط في ترسيخ دولة العسكر داخل الدولة، وزاد هذا الترسيخ  بالمادة 234 والتي تحصن منصب وزير الدفاع لدورتين رئاسيتين قادمتين. أما المادة 204 الكارثية والخاصة بمحاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية فقد دسترت الجرائم وتوسعت في شرحها
كما نؤكد على أن هذه المسودة - وكما بالدستور السابق - قد أغفلت انتخاب المحافظين.. وأغفلت بدل البطالة، وأغفلت مساعدة الأحزاب السياسية لتدعيم قدرتها المالية كما بالدول الغربية لمنع سيطرة رجال الأعمال عليها، وكذلك أغفلت إلغاء وزارة الإعلام، ولم تربط الدخل بالأسعار، وأغفلت استقلال الهيئات الرقابية، وتركت تعيين رؤسائها لرئيس الجمهورية المفروض أنها تراقب عمله، وأغفلت حرية ممارسة الشعائر لأصحاب الديانات غير السماوية مخالفة بذلك المعايير الدولية ...الخ
ولكن المسودة الجديدة أزالت من نصوص الدستور القديم الكثير من الصياغات التي كان يغلب عليها الطابع الديني، والتي لم تكن تفيد كثيرا، بل  تم الزج بها لارضاء تيار معين ..  ومنعت المادة 74 تأسيس الأحزاب على أساس ديني، كما منعت أي نشاط معاد لمبادئ الديموقراطية، وحظرت المسودة في المادة 75 انشاء أي جمعيات أو مؤسسات أهلية سرية
وإليكم مقارنة بين بعض مواد المسودة الجديدة 2013 ودستور عام 2012
في المادة 1 ألغت ان مصر جزء من حوض النيل كما كان في المادة 1 من دستور  2012
في المادة 5 ألغت لفظ الشورى المقحم بجوار لفظ الديموقراطية دون فائدة كما كان في المادة 6 من دستور 2012
في المادة 7 قصرت العمل الدعوي على الأزهر وتصدت لأي نشاط خارجه، وليس كما كان في المادة 4 من دستور 2012
في المادة 8 ألغت الحشو التفصيلي عن التكافل والعدل الاجتماعي كما كان في المادة 8 من دستور 2012
في المادة 10 ألغت دور "المجتمع" بجوار "الدولة" في مراقبة الأخلاق والأسرة وذلك  لمنع المتطوعين كما كان في المادة 10 من دستور 2012
في المادة 19 حددت نسبة 4% الضئيلة من الناتج القومي للتعليم ولكن لم تتركها فضفاضة كما كانت في المادة 58 من دستور 2012
في المادة 29 ألغت لفظ البادية بجوار الريف كما كان في المادة 16 من دستور 2012
في المادة 51 ألغت اللفظ المبهم - المجتمع - بجوار لفظ الدولة، من حماية الكرامة لكل إنسان  كما كان في المادة 31 من دستور 2012
في المادة 64 حددت أن حرية الاعتقاد "مطلقة" وهو لفظ أقوي من لفظ  "مصونة" كما كان في المادة 43 من دستور 2012
في المادة 71 حددت عقوبة جرائم النشر بالغرامة المالية وذكرت منع الحبس "صراحة" وليس كما كان في المادة 48 من دستور 2012
في المادة 87 حظرت استخدام دور العبادة صراحة في الدعاية  بالانتخابات وهو ما لم يكن مذكور في المادة 55 من دستور 2012
في المادة 92 أطلقت الحريات وأزالت الحشو السابق كما كان في المادة 81 من دستور 2012
في المادة 102 أجازت الأخذ بالنظام الفردي أو القائمة أو المختلط بالانتخابات، وليس كما كان في المادة 113 من دستور 2012
في المادة 137 ألغت ضرورة استقالة الرئيس في حالة رفض الاستفتاء الشعبي رغبة الرئيس في حل مجلس النواب كما كان في المادة 127 من دستور 2012
في المادة 141 شددت وغلظت من شروط الجنسية للرئيس وعائلته، وليس كما كان في المادة 143 من دستور 2012
في المادة 151 أقرت حق الشعب في الاستفتاء الشعبي على المعاهدات وليس لمجلس النواب كما كان في المادة 145 من دستور 2012
في المادة 211 ألغت عبارة الحفاظ على اللغة العربية في وسائل الإعلام والتي كانت في المادة 215 من دستور 2012 
هذه بعض الملاحظات السريعة حيث أن المجال هنا لا يتسع لذكرها جميعا  .. ولكن ..
 مازلنا في انتظار دستور مصر الدائم قريبا     

10.11.13

النموذج السويسري .. الديموقراطية الشعبية

بعد أن تناولنا في هذه المدونة عدة نماذج  سياسية،  منها التركي والإيطالي والإسرائيلي والفاتيكاني واليوناني؛ حان الوقت لنتعرف على نموذج أصيل وغير مشهور، وهو النموذج السويسري. فسويسرا التي اشتهرت بالساعات والشوكولاته والحسابات البنكية السرية هي واحدة من أكبر عشرين دولة مصدرة بالعالم، رغم أن عدد سكانها لا يتجاوز الـ 8 مليون نسمه، يتمركزون في أربع مناطق جغرافية مختلفة، ويتحدثون 4 لغات
مختلفة، وهي على الترتيب: الألمانية والفرنسية والإيطالية والرومانشية  ... واستطاعت هذه الدولة الصغيرة الجميلة في عام 2011 أن تحصل على المرتبة الأولى باعتبارها أغنى بلد في العالم، من حيث نصيب الفرد من الناتج المحلي الاجمالي، كذلك فإن متوسط دخل الأسرة بها يصل تقريبا إلى 100.000 دولار سنويا، ويتمتع المواطن السويسري بمزايا وتخفيضات ضريبية كبيرة وفقا للمعايير الأوروبية، ويحظى بخدمات اجتماعية وصحية متميزة؛ ولذلك فنحن في غنى عن أن نتحدث عن العدالة الاجتماعية، فحال سويسرا  كحال أغلب دول الغرب والتي تنتهج سياسات اقتصاد السوق الحر بنكهة اشتراكية
فالنموذج السويسري هو من أغنى تجارب الحكم الديموقراطي الشعبي، فلقد وضع حلا مثاليا لمشكلة التنوع اللغوي والثقافي والجغرافي، فيما يسمى كونفدرالية، واحترم ذلك التنوع لمناطقة الجفرافية، وتعامل معها كأنها دول مستقلة، بل أنه جعل من تلك الخصوصية مصدرا للتقدم الاقتصادي والحضاري
وتتـبنى سويسرا أيضا الحياد العسكري، فمنذ عام 1515 حيث كانت آخر حروبهم، وقد تم طردهم من مدينة ميلانو الإيطالية على يد الملك فرانسوا الأول فقرروا من يومها عدم الدخول في أحلاف أو محاور عسكرية، وظل ذلك، حتى أن السكان في أكثر من استفتاء قاموا برفض الاقتراح بالانضمام للاتحاد الأوروبي
تم اعتماد الدستور الاتحادي لسويسرا عام 1848 ، حيث يعتبر من أقدم الدساتير بالعالم وبموجب هذا الدستور يتكون الاتحاد الكونفدرالي من 23 كانتون (مقاطعة)، وتحت كل كانتون عدد من الكومونات (البلديات) الصغيرة، وقسم الدستور الصلاحيات بينهم فالاتحاد يشرف على السياسة الخارجية وأمور الدفاع، أما الكانتونات فتشرف على باقي الأمور بمشاركة البلديات والمحليات والأحياء، وبالتالي فالمواطن هو دائما سيد قراره
قسم الدستور الثلاث سلطات كالتالي  
ا - المحكمة الاتحادية
ب - البرلمان بغرفتية ومدة الفصل التشريعي 4 سنوات وهما
أولا: المجلس الوطني ويتالف من 200 عضو ينتخبون حسب عدد سكان كل كانتون
ثانيا: مجلس الكانتونات وبه 46 عضوا بمعدل عضوين لكل كانتون من ال23  بغض النظر عن حجمه أو عدد سكانه
ج - المجلس الاتحادي وهو الحكومة، وهي مكونة من 7 أعضاء (كمجلس رئاسي) لمدة 4 سنوات، ويرأس كل مستشار منهم وزارة وهي كالتالي: الخارجية والداخلية والعدل والدفاع والمالية والاقتصاد العام والنقل والطاقة. وينتخبون من بينهم رئيس الكونفدرالية ( رئيس الدولة) ونائبة. ويتم انتخاب هذه الميني حكومة من جانب البرلمان وليس الشعب، ولذلك فهو نظام شبه برلماني، وقد رفض المواطنون  تغيير هذا النظام خوفا من الأمركة حيث سيصبح المال هو سيد الموقف في الحملات الانتخابية للمرشحين
 ويعتبر المواطن السويسري هو أكثر مواطن بالعالم يتوجة لصناديق الاقتراع، وذلك بمعدل 4 مرات سنويا، في ديموقراطية هادئة تعتمد كليا على المشاركة القاعدية  في أدق الأمور حيث يتمتع المواطن بحقيين لا مثيل لهما بالعالم وهما: الاستفتاء الشعبي، والمبادرة الشعبية
فإذا استطاع المواطن جمع 50.000 توقيع في غضون 100 يوم من صدور أي قانون برلماني، يتم بموجبه عمل استفتاء على هذا القانون. أما المبادرة الشعبية فتسمح للمواطن باقتراح القوانين أو حتى عمل تعديل دستوري، أو حتى الانفصال من كانتون والانضمام لآخر إذا استطاع أن يجمع 100.000 توقيع. وينتقد البعض تلك الحقوق  الشعبية باعتبار أنها تعيق عمل البرلمان وتمنعه عن فرض تصوره، وترفع من قيمة المواطن في مواجهة السياسين وأعضاء البرلمان 
لذلك يعتبر النموذج السويسري متفردا، حيث يحكم المواطن ويرسم حياته ومستقبله، من أول مجلس إدارة العمارة التي يسكن بها .. للحي .. للمدينة ..  للمقاطعة .. للبرلمان .. في مجتمع شبه أناركي بشكل واقعي و ناجح