نهوض مصر..

المرء ليس محاسبا على ما يقول فقط ، بل هو محاسب على ما لم يقله إذا كان لابد من أن يقوله !







30.10.12

لماذا تخلت اسرائيل عن كتابة الدستور ؟

هل تعلم ان اسرائيل ليس لها دستور رسمي مكتوب ؟ ولكن هناك مجموعة من القوانين الاساسية التي تستخدم كادوات قضائية بديلة عنه ولعل السبب الرئيسي في عدم وجوده هو اصرار المتشددين اليهود دوما علي فرض وجهة نظرهم في كل مرة يتكرر الحديث عن كتابة هذا الدستور .. ولقد فطن المؤسسون الاوائل لذلك وكان عدد كبير منهم من المؤسسين للحركة الصهيونية ولم يكن اغلبهم من المتدينين بل كانوا جزءا من الاشتراكية الدولية ولم يكن في بالهم عندئذ اقامة دولة دينية ولكن ايجاد ملاذ لليهود بالعالم في شكل دولة عصرية 
وبدا هذا الصراع عند كتابة اهم وثيقة اسرائيلية وهي اعلان الدولة عام 1948 ولم تحذف التعبيرات الدينية من المسودة الا بعد تدخل بن جوريون ..  واستمرت المحاولات لكتابة دستور الدولة واستمر الاستقطاب بالمجتمع فالقوي المدنية تريد دستورا يشبه دساتير الدول الغربية الديموقراطية اما المتدينون فكان لهم دوما موقفين : الاول يوافق علي كتابة دستور بشرط الايخالف شرع الله . والثاني يرفض اي دستور من صنع البشر طالما ان لديهم التوراة والتي تعتبر دستورا الهيا متاحا
 
وعلي غرار ماحدث بعد ثورة 25 يناير بمصر وما يحدث غالبا بعد التحولات الكبري بالمجتمعات ان يتنامي ويعلو الصوت الديني وتركب الاحزاب والحركات الدينية الموجة  . حدث نفس الشئ باسرائيل بعد حرب 1967 حيث غيرت الصورة السياسية في اسرائيل فكانت فرصة تلك التيارت الدينية كبيرة حيث زعمت ان الانتصار الاسرائيلي علي ثلاثة دول عربية كان مدعوما من الرب وان الحلم بدولة اليهود الكبري بدا يتحقق ولابد من احلال قوانين الشريعة التوراتية محل القوانين الوضعية ولم يتورعوا في مرات كثيرة علي استخدام العنف لاثبات وجودهم والذي ظهرت ذروته عند اغتيالهم اسحق رابين في 4 نوفمبر 1995 كما فعل المتطرفون نفس الشئ مع السادات
وكانت اهم الادوات التي استخدمتها القوي المدنية في تحجيم تلك القوي الاصولية  - والحد من وصايتها علي المجتمع كله  وعمل فصل بين السياسة واستخدام ادوات دينية في الصراع السياسي - ان اتجهت للتكتل والاندماج والذي لم يكن صعبا علي عكس الحركات الدينية التي تختلف في رؤيتها ومدي تشددها والتي تنقسم لثلاثة تيارات اساسية فمنها الصهيوني المتعصب كحزب المفدال القومي ومنها الديني التقليدي كحزب شاس ومنها الاخر السلفي المتشدد (الحريديم) والمطالب بتطبيق الشريعة كحركة اهودات اسرائيل
وتشكلت في اسرائيل قوتان مدنيتان يحكمان ويتبادلان السلطة من فترة طويلة اولهما حزب الليكود وهو نتيجة اندماج احزاب وحركات اليمين والوسط والقوة الاخري هي حزب العمل وهوحصيلة سلسلة من الاندماجات في المعسكر اليساري العمالي والنقابي ومؤخرا لم يعد بمقدور اي منهما ان يحكم بمفرده دون الائتلاف مع احزاب صغيرة ومنها طبعا الاحزاب الدينية والتي لم تستطع ان تحقق باي انتخابات نسبة اعلي من 15 % من نسبة اجمالي مقاعد الكنيست والتي تبلغ 120 مقعد  . ولكن هذا الائتلاف له دوما ثمن ومقابل تمثل في ابتزاز وحصول علي امتيازات وتمويلات لانشطتهم الدينية السياسية
 
وهذا الصعود المتنامي للتيارات الدينية هو ما جعل القوي المدنية يتخلون عن فكرة كتابة الدستور تجنبا للصراع والمزايدات الدينية بالشارع .. وكذلك اصبحوا اكثر ايمانا بان الاندماج وتوحيد الصف هو السبيل الوحيد للمحافظة علي مدنية دولة اسرائيل وابعاد رجال الدين عن السياسة .. ورغم تلك الديموقراطية تظل اسرائيل دولة عنصرية واقصائية ومحتلة لاراضي الغير  
      

8.10.12

الفاتيكان ...عندما يحكم رجال الدين

هي أول دولة يحكمها ويسيطر عليها رجال دين وبشكل كامل، رئيسًا وحكومة وموظفين وسفراء.
في العام 1929م أصبحت الفاتيكان دولة مستقلة وذات سيادة، بعد الاتفاق بين موسوليني والبابا وذلك لفض الاشتباك بين الجمهورية الإيطالية والفاتيكان، ومنع تدخل رجال الدين في السياسة، ولكي لا يكون للدولة الإيطالية رأسان في قلب روما بل دولتين مستقلتين. 
والفاتيكان ليس بها تداول للسلطة، ولا شأن للعامة بسياسات الحكومة ولا لأحد رقابة على ميزانيتها، ومصادر دخلها من تبرعات وصدقات المؤمنين، إضافة لإيرادات بعض الأوقاف والسياحة. وهذه الدولة المتناهية الصغر، العظيمة النفوذ لا تتعدى مساحتها نصف كيلو متر مربع، وعدد سكان لا يتعدى 800 شخص، ولكن يتبعها حوالي مليار وربع كاثوليكي حول العالم.

رئيس الدولة هو البابا، ويسكن في قصر مكون من 1400 حجرة وحكومتة مكونة من 400 أسقف، ويعين البابا 120 كاردينالًا مندوبين عنه في كنائس العالم، يجتمعون جميعا معا بالفاتيكان عند وفاة البابا ولا يغادرون مكانًا مغلقًا عليهم إلا بعد اختيار أحدهم خليفة للبابا مدى الحياة  - تقريبًا على طريقة اختيار خليفة المسلمين في عهد الصحابة -وقديما كان لابد وأن يكون البابا إيطاليًا، وتم كسر القاعدة في عام 1978م  باختيار بولنديًا بابا وهو يوحنا بولس الثاني.

عندما تتجول في الفاتيكان - على الأقدام طبعا - تشعر أنك في بيت من الأسرار فكل ركن فيها تحته سر عظيم؛ بسبب ما حُكي عنها من قصص وأحيانا خرافات عن أسرارها كالأرشيف السري، وفرسان المعبد، والأسرار المدفونة أسفلها، وكذلك قصص الصراعات بين الأساقفة، وما شهدته الدولة من الفساد المالي والأخلاقي لكثير من رجالها، ولكن لم يجرأ أحد على توثيق هذه الأحداث لأن التكفير كان بانتظاره، كل ذلك الغموض وهذا التنظيم السري المتقن هو ما أضفى على الفاتيكان هذه الهالة من الغموض والقوة والمهابة.

تم بناء أول كنيسة بها في عهد القيصر قسطنطين عام 324 ميلادية واكتملت الفاتيكان عام 1475م بكنيسة السكستين الشهيرة والتي رسم جدرانها بيديه الفنان مايكل أنجلو.
وظل القيصر قسطنطين هو الآمر الناهي في روما إلى أن نقل مركز الإمبراطورية إلى بيزنطه عام 324 م، ورحل هو والعسكر عن روما وترك وراءه فراغًا في السلطة، وكان لابد أن يشغله جماعة منظمة، ووجد رجال الدين أنفسهم فجاة يحكمون روما من مقر الفاتيكان.

وتولي البابا - رجل الدين والمرشد الروحي للكاثوليك - حكم روما، وكان عليه أن يُضفي على نفسة شرعية تجبر العامة على الانصياع لأوامره؛ ولم يكن هناك أفضل من أن يعلن أنه صاحب السلطة المطلقة التي لا تخطأ أبدًا لأنها مفوضة من السماء، ولا تعلوها سلطة دنيوية.
  وكان أول اختبار حقيقي لقوة هذه السلطة في العام 1077 م عندما استطاع البابا جريجور الانتصار على القيصر الألماني هاينريش، حيث قام  بتكفيره وإخراجه من الدين المسيحي أمام شعبه ولم يتركه حتى أذعن له وطلب منه الصفح وقَبّل يده علانية.
وعندها أيقنت أوروبا المسيحية مدى قوة البابا السياسية؛ بسبب قوته المدعمة من السماء، وبعد أن استطاع أن يزلزل عروش الملوك بسبب فتاوى التكفير.
ولا يخفى على أحد كيف استغلت الكنيسة الفلاحين والبسطاء وزجت بهم في الحروب الصليبية على الشرق الأوسط باسم الرب،
وظلت روما دومًا مقرًا للباباوية إلا مرة واحدة، حيث انتقلت إلى نابولي عام 1294م على يد البابا كولستين الخامس، والذي كان يكره روما وفساد أخلاقها، وكان يحب الفقراء وحياة الزهد، ويقدس القيم المسيحية السامية. ولكن هذا لم يعجب الأساقفة الذين أفسدتهم السلطة  - فالسياسة والسلطة تفسد المتدينين  - فقاموا بعزله وسجنه ومات المسكين بعد عام ونصف، وعادت الباباوية لروما كسابق عهدها وسيرتها الأولى.

وكانت هذه الدولة الصغيرة ذات مصروفات كبيرة وبحاجة دائما للمال لتغطية أنشطتها؛ فقام البابا بونيفاتس الخامس بإصدار مرسومه الشهير والذي ينص على أن الكنيسة بالعالم واحدة، كاثوليكية مقدسة، وسلطة البابا شاملة وعالمية، ولا خلاص أو غفران لأحد إلا عن طريق هذه المنظومة؛ فأصدر صكوك الغفران مقابل المال، ثم خرجت صكوك غفران للموتى، وأخرى تمحو خطايا المستقبل؛ فامتلات الخزائن. واستمر الحال إلى أن جاء الألماني مارتن لوثر، والذي غير المسيحية بطباعته ونشره إصدارات ومنشورات ضد الفاتيكان والبابا، وتطورت الأحداث وبقوة وكانت بمثابة ثورة أوروبية شعبية ضد الكنيسة ورجالها، شارك في هذه الثورة  الكثيرون من المعترضين والرافضين للفاتيكان إلى أن وصل الأمر في النهاية إلى أن انقسمت الكنيسة إلى نصفين: كاثوليكية، وبروتستانتية.

 ورغم فقدان الفاتيكان وقتها الكثير من المصداقية في قلوب تابعيها بسبب:
فساد بعض رجالها وتدخلهم في السياسة، ومحاربتهم  للعلم والعلماء، ورفضهم لكل جديد، وتصديهم لإعمال العقل باستخدام نصوص الدين والفتاوى الجاهزة؛ إلا أن الفاتيكان ما زالت تتمتع بسطوة دينية وأدبية في نفوس الناس لاقتناعهم بأنها ما تزال تتحدث باسم الرب