نهوض مصر..

المرء ليس محاسبا على ما يقول فقط ، بل هو محاسب على ما لم يقله إذا كان لابد من أن يقوله !







5.11.10

العرب وسكان البلاد الاصليين

انا بطبعي قليل الكتابة وغالبا لا اكتب الا عندما يستفزني موضوع ما ومؤخرا استفزني بعض المقالات التي يدعي كتابها الليبرالية وقد تعمدوا الهجوم وبقسوة علي كل ثوابت المجتمع الثقافية عند مقارنه ظروفنا الحالية بالغرب المنتصر ! ولاحظت استخدام مصطلحين خطيريين اولهما الاستعمار العربي البدوي والذي دام 14 قرنا والمصطلح الثاني هو الاضطهاد لسكان البلاد الاصليين من قبل المستعمريين العرب !! فهل كان الفتح الاسلامي استعمارا بالمعني الذي نعرفه حيث جثم علي صدور سكان البلاد الاصليين فبخسهم حقوقهم وعاملهم كمواطنين من الدرجة الثانية ؟ ام انه جهل ببعض الحقائق او انه ربما تغاضي متعمد عنها ؟

فالشرق قد تم احتلاله من قبل الغرب الاغريقي والروماني والبيزنطي لمدة عشرة قرون من قبل الاسكندر الاكبر وحتي بعد هرقل وقاموا بنهب الشرق اقتصاديا وقهره سياسيا واضطهاده دينيا وفي اوائل القرن السابع الميلادي ولد الاسلام بمكه وظل بها 13 عاما يعذب ويضطهد كل من يغير عقيدته ويدخل الاسلام بل وتسلب امواله وممتلكاته حتي اجبر الجميع علي الفرار للمدينة وكحق طبيعي واصيل لكل البشر بالدفاع عن ارواحهم وحريتهم واسترداد حقوقهم وممتلكاتهم المسلوبة بالقوة نشبت في عهد النبوة عدة معارك بين الجانبين وحتي تم فتح كل شبه الجزيرة العربية كلهاوذكر ابن عبد البر في كتابه "الدرر في اختصار المغازي والسير "ان عدد الضحايا في كل هذه المعارك هو 386 من كلا الجانبين 183منهم مسلمين ومن الاخرين 203 ولو كانوا قد تركوا الناس تختار عقيدتها وبحرية ما قامت معركة واحدة -هذا مع العلم ان ضحايا الحروب الدينية بوسط اوروبا بلغ عشرة ملايين في فترة امتدت نحو قرنين من الزمان - حسب احصاء فولتير

بعدها خرج المسلمون للتصدي لمكائد الامبراطوريتين الرومانية والفارسية علي الحدود ولمساعدة اخوانهم خارج شبه الجزيرة في استرداد حقوقهم وحريتهم ومن اجل بسط العدل والحرية في هذه البقعة من العالم وليس كما ادعي البعض لنشر الاسلام بالسيف فقط فالمسلمون فتحوا في 80 عاما اوسع مما فتح الرومان في 8 قرون لانه لم تحدث معارك بينهم وبين سكان البلاد الاصليين بل علي العكس حاربوا معا جنبا الي جنب وهم علي ديانتهم القديمة وبعد النصر لم يجبروا احدا علي اعتناق الاسلام بل حرروهم وتركوا لهم حرية الاختيار بدليل ان الذين دخلوا الاسلام من اهل مصر والشام وايران بعد قرن كامل من الفتح لم يزيدوا عن عشرين في المئة من عدد السكان اي ان المسلمين تزايدوا في هذه البلاد ببطئ شديد وتدريجيا وكان السكان الاصليين يتحولون طواعية للدين الجديد ولنا هنا ان نذكر بعهد عمر بن الخطاب لاهل مدينة القدس عام 635م حيث منح اهلها الامان علي انفسهم وكنائسهم ولا يكرهون في دينهم ولم يفعل بهم كما فعل الصليبيون بعد ذلك عندما غزو القدس عام 1099 فذبحوا كل من وقع في ايديهم من المسلمين حتي الشيوخ والنساء والاطفال واجمالي عدد الضحايا كما ذكر مؤرخوهم سبعين الف مسلم في 7 ايام

وبدا الناس من مشارق الارض ومغاربها يدخلون الاسلام دون حروب او فتوحات بدليل ان اندونسيا اكبر بلد اسلامي في العالم الان وبها 200 مليون مسلم دخلوا جميعا الاسلام دون ان يصلهم مسلم واحد شاهرا سيفه

فالمسلمين خرجوا من شبه الجزيرة العربية فحرروا الشعوب وتركوا لهم ان يحافظوا علي عاداتهم ولم يعملوا يوما علي محو شخصيتهم بل نقلوا عنهم الكثير واندمجوا معهم ولم يستاثروا بشئ دونهم بل تركوا لهم تسيير شئون بلادهم واستثمار مواردهم ويذكر مؤرخوهم ان عمرو بن العاص استعان في تنظيم حكم مصر بنخبة الاقباط وقسم البلاد الي اقسام يراس كل منها حاكم قبطي يدير شئون الجميع ولما احتل الرومان الاسكندرية عام 646 م في عهد عثمان ان طلب الاقباط منه اعادة عمرو بن العاص لقيادة الجيش لمحاربة الغزاة الرومان المسيحيين فعاد واستخلص معهم الاسكندرية من ايديهم ثانية ثم رحل من جديد

لقد قام العرب برفع شان العلم والعلماء مسلمين وغير مسلمين من السكان الاصليين واصبح منهم الوزير والمستشار والقائم علي خزائن اموال المسلمين وتحرك الجميع داخل منظومة انسانية عبقرية فغمروا الدنيا نورا وعلما وفنا ومازالت الاندلس شاهدة ! وذاعت شهرة علماء البلاد الجديدة من غير العرب حتي ان مؤلفي اقدس كتابين في الاسلام وحتي اليوم بعد القران الكريم هما مسلم والبخاري وهما من اسيا الوسطي والامثلة كثيرة ونحن في غني عن ذكرها حيث يعرفها الداني والقاصي

لقد كان المستعمرون السابقون واللاحقون قد حاربوا السكان الاصليين واضطهدوهم وسرقوا خيراتهم ونقلوا كنوزهم الي عاصمتهم حتي صارت اغني واقوي المدن بالامبراطورية وهو ما لم يحدث بعد الفتوحات فلقد انتقلت عاصمة الخلافة من المدينة الي العراق والشام ومصر وحتي اخر عاصمة وكانت في تركيا وظلت المدينة ومنطقة الحجاز العربية افقر بقعة بالعالم الاسلامي حتي حدثت طفرة البترول عام 1973