نهوض مصر..

المرء ليس محاسبا على ما يقول فقط ، بل هو محاسب على ما لم يقله إذا كان لابد من أن يقوله !







15.10.11

ليلة انقضاض الفاشيست على الديموقراطية

قبل 17 مارس عام 1861، أي قبل 150 عام فقط، لم يكن هناك ما يسمى دولة إيطاليا، ولكنها كانت مجموعة من الإمارات المقسمة تحت سيطرة النمسا والفاتيكان و نابولي، وظلت بلد مصدرة للمهاجرين بسبب سوء الأحوال الاقتصادية بها، ويُذكر أنه في عام 1913 قد هاجر من البلاد ما يقارب 9 مليون شخص، وبعد الحرب العالمية الأولى، أي في 1919 ازدهرت الديموقراطية بالعالم الغربي، ودخل فيها حوالي 15 دولة بعد انتصار دول الحلفاء، والتي كانت تتبنى الديموقراطية؛ مما شجع الكثير على تقليد ذلك النموذج الناجح، وكما أن الوصول للديموقراطية طريق صعب، فإن الأصعب هو تفعيلها، والمحافظة عليها، فسرعان ما تهاوى ذلك النظام بعدة دول، ابتداء من إيطاليا عام 1922 بتحولها للفاشية، وحكم العسكر بولندا، وتحولت ألمانيا للنازية، وحكم العسكر أسبانيا وزادت الميول العسكرية في اليابان، بالإضافة للنظام الشمولي في الإتحاد السوفيتي، وكانت هذه الردة عن الديموقراطية بسبب فشل الديموقراطيين في تحسيين الأحوال الاقتصادية للمواطنين، ولاستغلال عناصر قومية متطرفة لذلك الفشل فانقضت على الديموقراطية
ففي إيطاليا عام 1919 تأسست حركة فاشية في ميلانو وتزعمها متهور اسمه: بنيتو موسوليني، ووعد الناس بإعادة عظمة الأمبراطورية الرومانية من جديد، وأنه سيقضي على الشعور بالاحباط العام، وسيهتم بالشئون الداخلية. وانضم إليه العمال العاطلون والجنود المسرحون بعد الحرب، والعناصر الغوغائية التي تقوم بالسرقة والنهب أوقات الفوضى. ولعبت هذه الحركة على التعصب القومي وكره الشعوب الأخرى، ودعت للزعيم الملهم الواحد، والحزب الوطني الواحد، ومن أجل الوصول للحكم قام بتأليف ميليشيا شبه عسكرية يرتدي أفرادها القمصان السوداء، وبدأوا في محاربة أقوى فصيل سياسي منظم بالبلاد وهم الشيوعيين. وكان يعتقد المراقبون آنذاك أن إيطاليا ستكون الدولة الشيوعية التالية بعد الاتحاد السوفيتي، وانتشرت الصدامات والاغتيالات بينهما. ويوم أعلن الشيوعيون عن اضراب عام للعمال بالبلاد، زحف موسوليني في نفس اليوم بعد أن حشد مظاهرة ضخمة لأعوانه في ميلانو، واستقلوا القطارات إلى روما بأكثر من 50 ألف شخص، واضطر الملك للرضوخ لهذا الانقلاب، بعد ضغط من الجيش ورجال الأعمال، و قام الملك بتكليف موسوليني برئاسة الوزراء، أي بعد 3 سنوات فقط من تأسيس حركته.
وعلى الفور قام بملاحقة الشيوعيين، واعتقلهم و صادر ممتلكاتهم، وسيطر على الصحافة، وحل جميع الأحزاب
و كان من الطبيعي أن يتحالف خارجيا مع من يماثله التوجة المتعصب، فأبرم أول اتفاق شامل مع ألمانيا النازية عام 1936. وانهزما معا بالحرب العالمية الثانية عام 1943 أمام الحلفاء، وقُتل فيها حوالي نصف مليون أيطالي، واستمرت المعارك حتى تم إعدام موسوليني في 29/4/1945 بأحد ميادين ميلانو
بعدها تنازل الملك أومبرتو الثاني عن العرش، بعد استفتاء شعبي، وتم إعلان الجمهورية، وتمكنت إيطاليا من وضع ديموقراطيتها على الطريق من جديد، وجاءت أول حكومة ائتلافية، ومكونة من طرفين، الاول: الديموقراطين المسيحيين المدعوميين من أمريكا والفاتيكان، والطرف الثاني: هم الشيوعيين المدعومين من السوفيت. وتحت ضغط من الأمريكيين تم طرد الشيوعيين من الحكومة في منتصف عام 1947 ، وكالعادة ظلت أمريكا ومخابراتها تدعم الديموقراطيين المسيحيين الموالين لها، والذين سيطروا على الحكم لأربعة عقود متتالية
وفي الخمسينات انضمت إيطاليا لحلف شمال الأطلنطي، وفي أواخر الستينات وحتى أواخر الثمانينات دخلت البلاد فيما سمي بسنوات الرصاص، وتميزت بالصراع السياسي والعمليات الأرهابية؛ بسبب اقصاء الشيوعيين، ووصلت الأمور لذروتها باغتيال رئيس الوزراء ألدو مورو عام 1978 ، على يد الألوية الحمراء، وبعدها تم التوصل للتسوية التاريخية، والمصالحة الوطنية بين الطرفين و وصل على أثرها لحكم إيطاليا الحزب الاشتراكي بقيادة كراكسي، ورغم صعوبة الطريق، نضجت الديموقراطية الإيطالية وتمتعت بقضاء مستقل، وإعلام حر، فانتعش الاقتصاد في فترة وجيزة، وتحول من اقتصاد ضعيف مُدمر من الحرب، ويعتمد على الزراعة إلى رابع أكبر اقتصاد في العالم، وحققت ما سُمي حينها بالمعجزة الإيطالية