نهوض مصر..

المرء ليس محاسبا على ما يقول فقط ، بل هو محاسب على ما لم يقله إذا كان لابد من أن يقوله !







15.10.11

ليلة انقضاض الفاشيست على الديموقراطية

قبل 17 مارس عام 1861، أي قبل 150 عام فقط، لم يكن هناك ما يسمى دولة إيطاليا، ولكنها كانت مجموعة من الإمارات المقسمة تحت سيطرة النمسا والفاتيكان و نابولي، وظلت بلد مصدرة للمهاجرين بسبب سوء الأحوال الاقتصادية بها، ويُذكر أنه في عام 1913 قد هاجر من البلاد ما يقارب 9 مليون شخص، وبعد الحرب العالمية الأولى، أي في 1919 ازدهرت الديموقراطية بالعالم الغربي، ودخل فيها حوالي 15 دولة بعد انتصار دول الحلفاء، والتي كانت تتبنى الديموقراطية؛ مما شجع الكثير على تقليد ذلك النموذج الناجح، وكما أن الوصول للديموقراطية طريق صعب، فإن الأصعب هو تفعيلها، والمحافظة عليها، فسرعان ما تهاوى ذلك النظام بعدة دول، ابتداء من إيطاليا عام 1922 بتحولها للفاشية، وحكم العسكر بولندا، وتحولت ألمانيا للنازية، وحكم العسكر أسبانيا وزادت الميول العسكرية في اليابان، بالإضافة للنظام الشمولي في الإتحاد السوفيتي، وكانت هذه الردة عن الديموقراطية بسبب فشل الديموقراطيين في تحسيين الأحوال الاقتصادية للمواطنين، ولاستغلال عناصر قومية متطرفة لذلك الفشل فانقضت على الديموقراطية
ففي إيطاليا عام 1919 تأسست حركة فاشية في ميلانو وتزعمها متهور اسمه: بنيتو موسوليني، ووعد الناس بإعادة عظمة الأمبراطورية الرومانية من جديد، وأنه سيقضي على الشعور بالاحباط العام، وسيهتم بالشئون الداخلية. وانضم إليه العمال العاطلون والجنود المسرحون بعد الحرب، والعناصر الغوغائية التي تقوم بالسرقة والنهب أوقات الفوضى. ولعبت هذه الحركة على التعصب القومي وكره الشعوب الأخرى، ودعت للزعيم الملهم الواحد، والحزب الوطني الواحد، ومن أجل الوصول للحكم قام بتأليف ميليشيا شبه عسكرية يرتدي أفرادها القمصان السوداء، وبدأوا في محاربة أقوى فصيل سياسي منظم بالبلاد وهم الشيوعيين. وكان يعتقد المراقبون آنذاك أن إيطاليا ستكون الدولة الشيوعية التالية بعد الاتحاد السوفيتي، وانتشرت الصدامات والاغتيالات بينهما. ويوم أعلن الشيوعيون عن اضراب عام للعمال بالبلاد، زحف موسوليني في نفس اليوم بعد أن حشد مظاهرة ضخمة لأعوانه في ميلانو، واستقلوا القطارات إلى روما بأكثر من 50 ألف شخص، واضطر الملك للرضوخ لهذا الانقلاب، بعد ضغط من الجيش ورجال الأعمال، و قام الملك بتكليف موسوليني برئاسة الوزراء، أي بعد 3 سنوات فقط من تأسيس حركته.
وعلى الفور قام بملاحقة الشيوعيين، واعتقلهم و صادر ممتلكاتهم، وسيطر على الصحافة، وحل جميع الأحزاب
و كان من الطبيعي أن يتحالف خارجيا مع من يماثله التوجة المتعصب، فأبرم أول اتفاق شامل مع ألمانيا النازية عام 1936. وانهزما معا بالحرب العالمية الثانية عام 1943 أمام الحلفاء، وقُتل فيها حوالي نصف مليون أيطالي، واستمرت المعارك حتى تم إعدام موسوليني في 29/4/1945 بأحد ميادين ميلانو
بعدها تنازل الملك أومبرتو الثاني عن العرش، بعد استفتاء شعبي، وتم إعلان الجمهورية، وتمكنت إيطاليا من وضع ديموقراطيتها على الطريق من جديد، وجاءت أول حكومة ائتلافية، ومكونة من طرفين، الاول: الديموقراطين المسيحيين المدعوميين من أمريكا والفاتيكان، والطرف الثاني: هم الشيوعيين المدعومين من السوفيت. وتحت ضغط من الأمريكيين تم طرد الشيوعيين من الحكومة في منتصف عام 1947 ، وكالعادة ظلت أمريكا ومخابراتها تدعم الديموقراطيين المسيحيين الموالين لها، والذين سيطروا على الحكم لأربعة عقود متتالية
وفي الخمسينات انضمت إيطاليا لحلف شمال الأطلنطي، وفي أواخر الستينات وحتى أواخر الثمانينات دخلت البلاد فيما سمي بسنوات الرصاص، وتميزت بالصراع السياسي والعمليات الأرهابية؛ بسبب اقصاء الشيوعيين، ووصلت الأمور لذروتها باغتيال رئيس الوزراء ألدو مورو عام 1978 ، على يد الألوية الحمراء، وبعدها تم التوصل للتسوية التاريخية، والمصالحة الوطنية بين الطرفين و وصل على أثرها لحكم إيطاليا الحزب الاشتراكي بقيادة كراكسي، ورغم صعوبة الطريق، نضجت الديموقراطية الإيطالية وتمتعت بقضاء مستقل، وإعلام حر، فانتعش الاقتصاد في فترة وجيزة، وتحول من اقتصاد ضعيف مُدمر من الحرب، ويعتمد على الزراعة إلى رابع أكبر اقتصاد في العالم، وحققت ما سُمي حينها بالمعجزة الإيطالية

28.9.11

الثلث المُعطل - حزب الراسمالين المستقلين

و اخيرا صدر الفرمان العسكري فجاة ومنذ يومين ودون علم احد والذي ينظم الانتخابات القادمة علي اساس ثلثي المقاعد يتم اختيارهم بنظام القوائم النسبية والثلث الاخر بالنظام الفردي وستُقبل الترشيحات ابتداءا من 12 اكتوبر
وبدا الجميع في عمل الحسابات وقد نتفق جميعا انه لن يكون بهذا المجلس اغلبية كاملة لاي حزب وقد يكون اقصي طموح اي طرف هو الفوز ب 30% من المقاعد وستقول علي الفور انه سيكون حزب الحرية والعدالة الجناح السياسي للاخوان واقول لك ان هذا اصبح غير مضمون في ظل المعادلة الجديدة و لكن الشئ المؤكد فيها هو فوز المستقلين ب33% من المقاعد اي الثلث لانهم ان لم يزيدوا عن الاخوان فلن يقلوا عنهم - واعتقد ان المجلس العسكري درس جيدا القوي علي الارض وكان يريد لاخر لحظه عمل نظام الانتخابات بالقائمة والفردي مناصفة لولا رفض كل القوي السياسية وذلك لانه نظام سيعود بالفلول للمجلس القادم وفي النهاية وبعد جذب وشد تنازل المجلس بالشكل الذي لايخل بالمعادلة التي ارادها واصدر خلسة بيان باخر كلام وهو الثلث للفردي بدلا من النصف والذي اسميه هنا (الثلث المُعطل ) فلو نظرنا للدوائر الانتخابية بشكلها الحالي لوجدناها كبيرة و شاسعة جدا وبالتالي لايستطيع شاب او عامل او فلاح ان يتكفل بمصاريف الدعاية للحملة الانتخابية بالشكل اللائق الذي قد يُمكنه من الفوز وبالتالي لابد ان يكون راسماليا كبيرا اي رجل اعمال ممن كانت تربطهم علاقات مصالح بالنظام القديم او مازالت تربطه مصالحه ببعض رموز النظام القديم والتالي سيكون من مصلحتة والتي يدركها جيدا ان يُعطل او يُعوق اي انقلاب ثوري داخل المجلس علي سياسات و قواعد النظام السابق والتي كانت في صالحة دوما و كان ولاؤه و مازال للنظام السابق و كذلك للمؤسسة العسكرية والتي تدير حوالي 40% من النشاط الاقتصادي بالبلاد و بالتالي سيكون هذا الحزب الجديد - مجازا - والذي سيتشكل تحت القبة ليُكون ما يسمي الثلث المُعطل لكل ما يتعارض مع مصالحه ومصالح اعوانه فمثلا سيتصدي لمشروعات الاسلاميين لاي انقلاب محتمل علي الدولة المدنية او سيعطل مشروعات اليساريين والتي ستسعي لانتزاع حقوق للبسطاء من رجال الاعمال وهكذا
فهؤلاء الراسماليون المستقلون يمكنهم وبسهولة ان ينسقوا فيما بينهم لانهم شريحة تاتي من طبقة اجتماعية متماثلة ولها مصالح متقاربة وستدافع وباستماته عنها وعن سياسات النظام القديم داخل المجلس ومن خلال قوانينه وسيكون ولاؤهم الحالي للمجلس العسكري والذي منحهم هذه الفرصة التاريخية
لذلك ولاسباب اخري اجزم بان البرلمان القادم والحكومة القادمة لن يمثلا الثورة ولكن ابشروابالدورة التي تليها .. نعم المشوار طويل ويستحق .. لان النتيجة مضمونه

25.6.11

الطريق الثالث ... والذي مازال مفقودا

استكمالا للتدوينة السابقة عن اليسار، والتي انتهينا فيها إلى أهمية وضع تصور عملي لمنظومة اقتصادية وطنية ذات آليات محددة لاقتصاد مصر،  حيث أننا في النهاية سنتفق على الدولة المدنية، وعلى الديموقراطية، وعلى حق المواطنة، وسيبقى الجانب 
الاقتصادي وتحقيق العدالة الاجتماعية هو المطلب الملح والمعادلة الصعبة. وقد يتراءي للبعض تصور أطروحة وسطية بين الاشتراكية والليبرالية، بادعاء أنها ستتناسب مع ظروفنا الحالية، وتعتمد على الثقافة الوطنية، وتراعي الخصوصية الذاتية، وذلك بطرح طريق ثالث يضمن للعامل حياة كريمة وفي نفس الوقت لا يحارب الملكية الخاصة أو يعرقل التجارة أو الاستثمارات الداخلية أو الخارجية بالشكل الذي ينهض بالاقتصاد والمجتمع. باعتبار أن هذا الطريق المزعوم هو خط بين خطين متوازيين أحدهما على اليسار والآخر على اليمين
ولكن ذلك يتطلب معرفة أين يكون مكان هذا الطريق بالتحديد بين الخطيين؟ و إلى أي الطريقين يميل أكثر؟ و هل هو خط مستقيم أم متعرج بينهما؟ وأنا هنا لا أدعي امتلاك الإجابة على هذا السؤال المركب

ولكن البحث عن هذا الطريق الثالث ليس بالفكرة الجديدة؛ فهناك العديد من المحاولات التاريخية القديمة والحديثة لايجاد ذلك الطريق كمحاولة (نهرو) بالهند أو (عبد الناصر) في مصر وآخرين غيرهم
أما في أوروبا وحتى وقت قريب، كانوا يتبعون أحد طريقين
الطريق الأول: هو ما تبنته أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، وذلك للنهوض بالقارة المدمرة عن طريق سيطرة الدولة على الاقتصاد من أجل تخصيص ميزانيات تمول الرعاية الاجتماعية المقدمة للمواطنين بالدرجة الأولى
الطريق الثاني: وهو ما عرف باسم النيوليبرالية الرأسمالية، والذي تبناه كل من رونالد ريجان ومارجريت تاتشر ويرتكز على تخلي الدولة عن التدخل في الاقتصاد، وإطلاق يد السوق للمنافسة، وهي نفس أفكار (مدرسة شيكاغو) والتي أسسها ميلتون فردمان

ومؤخرا وبالتحديد في أواخر التسعينات ظهر داخل اليسار ما سُمي بالطريق الثالث، وتبناه (بيل كلينتون) في نهاية حكمة 1993/2001 ، ولكن اتضحت معالم هذا الطريق أكثر عندما تبناه وبقوة (توني بلير) 1997/2007 بناء على أفكار مرشده الفكري عالم الاجتماع البريطاني (أنتوني جيدنز) مؤلف كتاب (الطريق الثالث). و قد تحدث توني بلير عن هذا الطريق في إحدي قمم الاشتراكية الدولية قائلا: إن الدولة بعد أن اصبحت قليلة العوائد بسبب الخصخصة، وخفض الضرائب؛ رغبة في تحفيز الاستثمار، أصبحت الدولة عاجزة عن القيام بمهامها، مما يهدد بتفاقم مشكلة البطالة، ويزيد من الضغوط الاجتماعية؛ وهو ما يجعل بالحل الوحيد، ويتمثل في أن تنقل مسئوليات الدولة الاجتماعية إلى مؤسسات المجتمع المدني، والجمعيات الأهلية، والنقابات

وقد تحول هذا الطريق إلى موضة فكرية، وحظي وقتها بشعبية في أوساط الأحزاب اليسارية الاجتماعية والاشتراكية في اوروبا، وبفضله سيطرت تلك الأحزاب على 13 حكومة من 15 هي دول الاتحاد - كما ذكرنا سابقا - و لكن يرى البعض أن هذا الطريق كان بمثابة قارب نجاة للأحزاب الاشتراكية؛ فقد مكنها من الوصول للسلطة أكثر من كونه حلا لأزمات المجتمع الاقتصادية، وأن تلك الأحزاب قد قبلت بتغيير بعض مبادئها وانفتحوا على الليبرالية الجديدة، ولم يقدموا سوى معالجات سطحية للمشكلات العميقة التي تولدها الراسمالية. وحيث إن الطريق الثالث هو طريق يعتمد على الطريقين الذين يخالفهما يظل بلا مضمون واضح في حد ذاته، ولذلك لم يستطع أن يتبلور إلى أيدولوجية و لم تستطع أحزاب اليسار من خلاله الاستمرار في السلطة، وخرجوا جميعا سريعا واستمر الاقتصاد العالمي في مواصلة سيره في اتجاهه السابق النيوليبرالي، وما اتبعه ذلك من تراكم رأس المال في يد طبقة محدودة جدا، رغم تزايد معدلات النمو الاقتصادي وهو ما دعى البعض مثل (أليكس كالينيكوس) في كتابه (ضد الطريق الثالث) أن يطلق على هذا الطريق الثالث، بالنيوليبرالية المتنكرة في مسوح الديموقراطية الاشتراكية
كذلك وبناء على رؤية الطريق الثالث، والتي ترتكز على مشاركة الحكومة لمنظمات المجتمع المدني وخاصة في موضوع الرعاية الاجتماعية؛ قد جعل أحد ابرز مفكري هذه الأطروحة وهو (ريتشارد فايزمير) أن يدعي بأن دول العالم الثالث غير مؤهلة لتبني هذا الطريق أوالاستفادة منه؛ لأنها دول تفتقر إلى المجتمع المدني، ولأنها دول فقيرة اقتصاديا وفكريا. وإضافة إلى هذه النظرة الاستعلائية في طرح الحقيقة فقد أعطى توني بلير بسياساته الخارجية والتابعة للولايات المتحدة على طول الخط صورة سيئة عن هذا الطريق

وفي النهاية ما زال البحث جاريا عن هذا الطريق الثالث، ولم يتوصل أحد بعد إلى ماهيته المثلى وآلياته، ومقدار السلطة الممنوحة لمنظمات المجتمع المدني، وكيفية حصولها على التمويل اللازم لممارسة هذا الدور الاجتماعي بكفاءة. و لأن الراسمالية مازالت تمتلك قدرة فائقة على إعادة إنتاج نفسها؛ تظل هناك حاجة ماسة لوجود طريق حقيقي يقوم على حركة جماهيرية واسعة ويقظة ويرتكز على الطبقة العاملة المنظمة، ويناهض معها الآثار السلبية للراسمالية والعولمة، ويهتم بعلاج المشكلات الفعلية للمجتمع، وتلك هي الضمانة المثلى لتحقيق العدالة الاجتماعية، وهي التي ستساعد و قوة في تحقيق تنمية مستدامة، وليست الأرقام الاقتصادية الخادعة. فلا بديل عن الاستثمار في البشر ورفع مستوى الرعاية المقدمة لهم - تعليمية وصحية - مما سيؤدي لرفع كفاءتهم وتشجيعهم على الانتاج؛ وبالتالي زيادة دخولهم وهو الوسيلة الناجعة لمواجهة أي أزمات اقتصادية محتملة قد تهدد الاقتصاد الوطني

3.6.11

التيار اليساري المصري ... وتساؤلات ضرورية

بعد 25 يناير - وعلى حد علمي - ظهر على الساحة السياسية حزبان يساريان جديدان: هما حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، وحزب العمال الديموقراطي إضافة إلى حزب التجمع الموجود أصلا على الساحة منذ عام 1976 ،وكذلك عودة الحزب الشيوعي المصري للعمل في النور مرة أخرى، وكان أول حزب يساري عرفته مصر، وتأسس عام 1921 باسم الحزب الاشتراكي المصري، وذلك على خلفية حراك ونشاط عمالي مميز شهدته مصر حينها، وساهم في تلك المرحلة العديد من الأجانب المقيمين بمصر و خاصة الجاليتين الإيطالية واليونانية، وهي نفس فترة قيام الثورة الروسية الأولى والثانية 1905/1917 والتي استبشر بها الكثيرون، واعتبروها نقطة تحول لتصحيح المسار التاريخي لصالح قضايا العمال والفلاحين والفقراء بما يضمن لهم مزيد من العدالة الاجتماعية وكخطوة للأمام بعد أن أهدت لنا - الثورة الفرنسية الثالثة 1848 وما سُمي بربيع الثورات الأوروبية - أسس الدولة المدنية التي تقوم على الحرية والإخاء و المساواة. واليوم وبعد هذه الانطلاقة الجديدة للأحزاب اليسارية المصرية الأربعة كان من الضروري وحتي تتضح لنا الصورة أن نطرح مجموعة من التساؤلات

أولها: ما أهمية وجود تيار يساري منافس وقوي على الساحة السياسية؟ و لماذا يجب علينا أن ندعمه ونقويه؟
بالتأكيد نخطأ كثيرا لو اختصرنا العدالة الاجتماعية في الديموقراطية فقط، و نخطأ أكثر لو اختصرنا الديموقراطية في الانتخابات فقط !! فالعدالة الاجتماعية هي مطالب مشروعة تتراكم وتترسخ من خلال خبرات وتجارب نضالية، تبدأ من القاع حيث تتبلور وبصدق في القواعد الشعبية الممثلة في نقابات واتحادات حرة تصل بصوت الناس ومطالبهم إلى السلطة. مع التاكيد على أن الوصول للسلطة من خلال ممثلين برلمانين أو حكوميين ليس هدفا في حد ذاته، بقدر ما هو وسيلة لتنفيذ تلك المطالب، ومن هنا يصبح من الضروري وجود تيار يساري قوي على الساحة؛ يتبنى تلك الرؤية ويصبح الضابط لبوصلة التوجه العام والسياسة العامة للمجتمع بالشكل الذي يضمن عدم استمرار ظلم وتجاهل تلك الفئات الفقيرة ويمنع الانتقاص من حقوقهم التي غابت عنهم سنوات طويلة

والتساؤل الثاني: ما هي التحديات التي تواجه التيار اليساري المصري؟
ا- ضعف القاعدة الشعبية التي يرتكز عليها حاليا مثل كل التيارات الأخرى والتي عانت جميعا من تضيق وتهميش في ظل حياة سياسية فاسدة طوال العقود الماضية
ب - أن جانبا من هذا التيار نخبوي بعيد عن الشارع والذي اختلف كثيرا عن شارع الستينات؛ مما يتطلب جهدا كبيرا في استقطاب أنصار جدد مستعدين للنضال من أجل قضايا الفقراء، خاصة في ظل ضعف مصادر التمويل وقلة الكوادر الحزبية
ج - صعوبة التأقلم مع فكرة التحالفات والائتلافات، وخاصة مع تيارات قد تطرح العدالة الاجتماعية كمجرد دعاية انتخابية أو تتبناها كهامش محدود كتحصيل حاصل وهو ما لا يتفق مع رؤية اليسار التي تنشد نموا اقتصاديا شاملا للمجتمع ويحفظ في نفس الوقت للمواطن البسيط حياة كريمة

والتساؤل الثالث: ما هي صورة التيارات اليسارية على الساحة الدولية؟
الصورة الأولى: هي التيار اليساري في أوروبا الشرقية والذي أصبح يجمع خليطا مشوها من الاشتراكية والليبرالية ومازال يبحث عن طريقه في ظل ديموقراطية هشة تحتاج للكثير من الاصلاح السياسي ومحاربة الفساد المستشري
والصورة الثانية: هو يسار أمريكا اللاتينية، فرغم الصعود والنجاحات النسبية التي حققها إلا أنه مازال يتخبط لأن الناس هناك لم تشعر بعد بالتغيير، ومازالت تلك الدول تعاني من مشكلات واضحة
والصورة الثالثة: اليسار الأوروبي - وأود أولا أن أؤكد على أن ما تتمتع به المجتمعات الأوروبية من هامش جيد من العدالة الاجتماعية يميزها عن العالم كله هي نتاج نضال طويل للعمال ونقاباتهم واتحاداتهم بالدرجة الأولى، وليست بفضل الأحزاب السياسية لأن هذه القيمة تأصلت في المجتمع. ولم تكن الديموقراطية أو الدولة المدنية إلا الوسيلة الجيدة للحفاظ على هذة المكتسبات، ولعل هذا ما يشعرك حاليا بعدم وجود فارق كبير بين حكومة يمينية أو أخرى يسارية في السلطة من هذه الناحية
و لقد سيطر اليسار على أوروبا منذ 12 عاما، حيث استطاع تشكيل 13 حكومة في 15 دولة، هي عدد دول الاتحاد، أما اليوم فإنه يشارك في 8 حكومات ائتلافية فقط في 27 دولة أوروبية، آخرها كان نجاح الحزب الاشتراكي الإسباني بزعامة ثاباتيرو 2004

والتساؤل الرابع: ما هي أهم الأسباب التي أعاقت سيطرة اليسار الأوروبي وأدت لتراجعه المتواصل في منافسته للتيار اليميني؟
ا - غياب جزء كبير من القوة المجتمعية الحاضنة للتيار الاشتراكي وهي الطبقة العاملة نتيجة تغير أنماط العمل من كثيف العمالة إلى أعمال قائمة على التكنولوجيا والمعرفة - أو هروب رأس المال للدول الرخيصة العمالة - وتحول جزء كبير من فئة العمال إلى الطبقة المتوسطة والبرجوازية الصغيرة، وهي طبقة ذات طاقة ثورية محدودة
ب - صعود اليسار الراديكالي بقوة على حساب يسار الوسط المنقسم أصلا مما يهدد دوما بقطع الطريق أمامه نحو السلطة
ج - تبني أغلب أحزاب اليسار الأوروبي لأفكار مشابهة لأفكار اليمين خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي 1991 ، وبعد سقوط جدار برلين، وما أطلق عليه الطريق الثالث وهو ما لم يقنع الكثيرين

والتساؤل الخامس: ما هي أهم المشكلات الاقتصادية التي تواجه اليسار حاليا وتمنعه من تحقيق أكبر هامش ممكن من العدالة في ظل تغول العولمة وسياسات السوق و التجارة الحرة التي فرضتها على العالم المؤسسات الدولية والتكتلات الاقليمية؟
ا - عودة تركيز ثروة الأمم مرة أخرى في يد طبقة محدودة جدا من الرأسمالين مما أخل بعدالة التوزيع؛ وبالتالي زيادة نسب التضخم والبطالة وهو ما عبر عنه الكثيرون مؤخرا بالنزول للميادين وتصاعد حدة الاحتجاجات والاضرابات
ب - إن المشكلات المالية والاقتصادية العالمية الأخيرة قد ترتب عليها رفع لأسعار الغذاء والطاقة وعراقيل كبرى أمام التمويل مما ترتب عليه انكماش اقتصادي عالمي دفع الحكومات وأعوانهم من الرأسمالين لمحاولة التنصل من بعض مكتسبات العمال. وكان من المنتظر أن يستفيد اليسار من هذه الازمة وتبعاتها، ولكنه ظهر مترددا أغلب الأحيان في تحديد وسائل الخروج منها على عكس اليمين الذي تظاهر بحس عملي وبنكهة يسارية ساعده فيها أن أغلب الناس قد حملوا المصرفيين والشركات المالية الكبرى مسئولية الأزمة وليست سياسات اليمين

وفي النهاية نصل للتساؤل السادس والأخير: ما هو الدور المطلوب الآن من اليسار المصري الجديد؛ لكي يحقق ما يأمله منه الناس في هذه المرحلة الفاصلة؟
ا - مساندة الفقراء، وتوعية الطبقات العاملة بحقوقها، والتفاعل معهم ودفع المجتمع نحو اطلاق كافة الحريات النقابية وحرية التظاهر والاضراب، وتنفيذ الأحكام القضائية المؤيدة لذلك. فالعمل النقابي سيؤتي ثماره سريعا فهو التربة الخصبة لنمو اليسار وبالتالي سينعكس وبقوة على العمل الحزبي أيضا
ب - الإصرار على أجر عادل يضمن حياة كريمة للجميع من خلال حد أدنى وحد أقصى للأجور، وخلق نظام ضريبي تصاعدي يوفر للدولة موردا لازما لتقديم مزيد من الخدمات الاجتماعية و الصحية و التعليمية والإعانات والبرامج التاهيلية والتي تعود على المجتمع والفرد بالفائدة، ولكي تصبح مصر مقصدا للمستثمرين ليس بسبب رخص عمالتها، ولكن لكفاءة تلك العمالة، وللمزايا الاستثمارية الكثيرة الأخرى
ج - وضع تصور عملي لمنظومة اقتصادية ذات آلية محددة وخريطة طريق واضحة لإنقاذ اقتصاد مصر نُصلح بها ما أفسده الانفتاح العشوائي في العقود السابقة؛ حتى نتمكن من الانطلاق للمستقبل، و نحن على أسس قوية تضمن استمرارية هذا النجاح

14.5.11

النموذج التركي .. وجدوي الاسترشاد به

يردد البعض عند الحديث عن مصر المستقبل طرح النموذج التركي كمثال يحتذي به لانه النموذج الاقرب الينا و لظروفنا الحالية وذلك لوجود اوجه تشابه متعددة جغرافيا واجتماعيا واقتصاديا وما يشجع اكثر هو ان تركيا استطاعت ان تحقق ديموقراطية مستقرة واقتصادا مزدهرا حتي انه يُشار اليها علي انها النموذج الوحيد الناجح بالعالم الاسلامي في الديموقراطية والحداثة - وبالتاكيد ليس النموذج الامثل فبه العديد من العيوب والنواقص و ما زال نموذجا ناشئا يبحث عن مستقبل افضل - وربما يكون هذا الطرح صحيحا لحد كبير لانه من الضروري الان الاسترشاد بتجربة ناجحة في مرحلتنا المفصلية الحالية وسيكون من العبث الاستهداء بالتجربة الالمانية او الكورية مثلا وذلك لوجود اختلافات جوهرية بيننا مجتمعيا وتاريخيا ناهيك عن ان لكل دولة خصوصيتها وان ما يصلح لدولة بعينها قد لا يصلح لاخري وان نسخ تجربة بحذافيرها حتي لو تماثلت الظروف هو ضرب من المستحيل بل علي كل دولة ان تصنع نموذجها المناسب .. وبناء عليه يتحتم علينا قراءة ما بين السطور بعد طرح عدة تساؤلات

التساؤل الاول : ما هي اوجه التشابة بين الحالتين المصرية والتركية والتي دعت البعض لترشيح ذلك النموذج للاسترشاد به ؟
ا - ان كلاهما دولة شرق اوسطية تمتلك تراثا حضاريا عظيما وموقعا جيواستراتيجي مؤثر وموارد متنوعة وهو ما يخلق فرصا اقتصادية هائلة
ب - ان لديهما شعبا غالبيته من الشباب ويتميز كلاهما بالديناميكية وقدر جيد من الثقافة والتعليم - ويذكر ان عدد سكان تركيا حوالي 75 مليون نسمة ومصر 85 مليون نسمة
ج - انهما يمتلكان شخصية وطنية متميزة وسجل حافل بالانجازات فلقد قادت مصر العالم الاسلامي طويلا وكذلك تركيا هي التي قادته في اخر 600 سنه له وذلك حتي مولد جمهورية كمال اتاتورك عام 1922 ومن المفارقة ان مصر حصلت علي استقلالها من انجلترا بصورة احادية بنفس العام في 28 فبراير 1922 وتبلور بكلاهما بتلك الفترة نهضة تنويرية ثقافية وبرلمانية متميزة
د- ان كلاهما دولة ذات اغلبية مسلمة وسنية ويعتبر الاسلام التركي والمصري هو الاكثر انفتاحا ووسطية وبالتالي فان قابليتهما للتحديث والنهضة متقاربة لحد كبير

التساؤل الثاني : هل حققت تركيا نهضة اقتصادية مميزة تؤهلها لان تكون مثالا لنا ؟ وماذا تقول الارقام الاقتصادية المقارنة لنوضح الفارق ان وُجد ؟

لقد استطاعت تركيا ان تنهض وسريعا بالرغم من الانتكاسة التي تعرضت لها في التسعينات وكاد اقتصادها ان ينهار بسبب الفساد وسوء النظام المصرفي ولكن تم انقاذه بفضل حكومة حزب العدالة والتنمية ليصبح الاقتصاد الاكبر اسلاميا مع انها دولة غير نفطية مثلنا تماما وذلك باستخدام سلاح العلم والتكنولوجيا والقانون فبلغ الناتج المحلي الاجمالي الاسمي عام 2010 مبلغ 730 مليار دولار في حين انه بمصر 210 مليار دولار - وبلغ دخل الفرد التركي السنوي الاسمي 11 الف دولار في حين انه للمصري 2700 دولار - وتبلغ قيمة الصادرات التركية السنوية 117 مليار دولار في حين انها في مصر 30 مليار دولار - وبلغ عدد السياح لتركيا بذلك العام 31 مليون سائح في حين انه بمصر 15 مليون سائح - هذا ومنذ 4 سنوات لم تعد تركيا تصدر ايدي عاملة للخارج
واضح من المقارنة مدي الفارق رقميا والذي قد يغري البعض بتقليد هذا النموذج ولكن هل يمكن اللحاق بالارقام الاقتصادية التي حققتها تركيا سريعا ؟ الاجابة بالتاكيد نعم وكما اكد ذلك كثير من الاقتصاديين فيمكننا و في خلال الاربع سنوات الرئاسية القادمة ذلك بشرط ان نبدا من حيث انتهي الاخرون فنضع مصر علي الطريق السليم من خلال صياغة مشروع نهضوي وطني واقعي

التساؤل الثالث : ماهي الخطوات التي اتخذتها تركيا لتحقيق نهضتها السياسية والاقتصادية ؟ وكذلك ما هي العوامل الخارجية التي ساعدتها علي ذلك ؟
اولا : اعلان الدستور المدني الديموقراطي من بداية نشاة الجمهورية والذي اكد علي حق المواطنة والعدالة الاجتماعية بل ان كمال الدين اتاتورك حاول فصل تركيا عن تراثها الاسلامي تماما حتي انه احل الحروف اللاتينية محل العربية واصر علي تاسيس جمهورية علمانية وبشكل متطرف و لم يدرك حينها ان هذا الدستور العلماني هو ما سيعطي فيما بعد الفرصة للاحزاب ذات المرجعية الدينية للوصول للسلطة وبشكل ديموقراطي ولكن هذه المرة من خلال فكرة توفيقية بين المتناقضات ومن خلال المزج بين القيم الاسلامية الصحيحة والقيم المدنية الديموقراطية - فحزب العدالة والتنمية الحاكم حاليا تم تاسيسه علي يد رجب طيب اردوغان كاخر صورة لاحزاب التيار الاسلامي والتي دخلت الحياة السياسية في عام 1971 بحزب الخلاص الوطني بقيادة نجم الدين اربكان ثم تحول الي حزب الفضيلة ثم اصبح حزب الرفاة ثم السعادة - وحزب العدالة والتنمية ليس حزبا ايدولوجيا فقط بل انه حزب برجماتي متصالح مع الحداثة ومفاهيم الدولة المدنية ويلتزم بخطاب جديد يتوافق مع ظروف المجتمع التركي و ايضا الظروف الدولية المتغيرة و يقبل بقواعد اللعبة الديموقراطية فاستطاع الفوز بالانتخابات العامة سنة 2002 بنسبة 34% من الاصوات وفي الانتخابات المحلية سنة 2004 بنسبة 42% من اجمالي الاصوات وللحزب فروع ب 3000 بلدة ويتجاوز عدد اعضائه المسجلين 3 مليون عضو ونجاحه هذا مازال يغري كثير من احزاب التيار الاسلامي بتكرار تجربة ذلك الحزب والذي اكتسب قبولا شعبيا ودوليا واصبح الشكل المقبول للاسلامين من وجهة نظر كل التيارات الاخري

ثانيا : ان تركيا استفادت من الاصلاحات الاجبارية التي فرضها عليها الاتحاد الاوروبي كشرط للانضمام اليه وهذه الشروط عبارة عن وصفة اصلاحية جاهزة للتطبيق وضعت تركيا علي طريق تحقيق ارقام اقتصادية مميزة وساعدها في ذلك ان نسبة 75% من الشعب التركي يريد تلك العضوية فهناك اعجاب شعبي واضح بالمعايير المدنية والاقتصادية الغربية رغم عيوبها الاجتماعية المعروفة للجميع - ولم تكن مسيرة التجربة التركية سهلة بل انها واجهت العديد من المعوقات الكبري وكان اهمها وصاية وتدخل الجيش الدائم في الحياة السياسية فعلي الرغم من انه جيش حديث وقوي وعضو في جيوش حلف الاطلنطي الا انه قام في الفترة من 1960 الي العام 1997 بالاطاحة باربع حكومات بما يشبه الانقلاب العسكري ولكنه ومؤخرا تراجع دوره وانصاع للمطالب الدولية والشعبية وانسحب تماما واقر بنتائج صناديق الاقتراع والتزم بدورة الطبيعي وهو حماية الامن القومي و ليس التدخل والوصاية بحجة حماية الدولة المدنية والدستور - و ما ننشده لمصر تلك النهاية التركية السعيدة وان يحقق الجيش المصري المطالب الشعبية المشروعة ويعود لثكناته ويترك الساحة للسياسين للعمل في ظل ديموقراطية حقيقية .. و نتمني ان نبتعد عن سيناريو النموذج الجزائري حيث يحكم الجيش علي الارض و لكنه يضع في خارج الصورة رئيس دولة ضعيف - بو تفليقه - و ان نبتعد ايضا عن سيناريو النموذج السوداني حيث تحالف الجيش هناك مع احد التيارات السياسية وسيطرا علي كل الامور ومازالا يحكمان معا حتي اليوم

لقد اكتسبت تركيا وعيا وحنكه واضحة علي الصعيد الاقليمي والدولي وقامت بتاسيس علاقات ومصالح مع الجميع واستطاعت كسب تعاطف قطاعات شعبية عربية كبيرة باتباع سياسة دعائية ماكرة واحيانا انتهازية - وقد اثار هذا النشاط التركي بالمنطقة غيرة مصر اكثر من قلقها واعتقد ان العلاقات بينهما ستشهد قريبا تطويرا ملموسا قائم علي التفاهم والمصلحة المشتركة لانني علي يقين ان مصر ستستعيد دورها الاقليمي والحضاري الذي يليق بها من خلال صياغة نموذجها الوطني الخالص و القائم علي رؤيه استراتيجية نهضوية جديدة

24.4.11

المادة الثانية من الدستور بين الابقاء او التعديل

خلصنا في التدوينة السابقة الي اننا يجب ان نضع نصب اعيننا اولا الكليات العامة واولها - اقامة الدولة الديموقراطية المدنية - دون ان نغرق في المشكلات الجانبية او ننجر لنقاشات عقيمة او صراعات طائفية او عنصرية وذلك من خلال حوار مجتمعي حقيقي وبشيء من الصبر وسعة الصدر . وكذلك توصلنا الي ان الدولة العلمانية تعني المغالاة في المدنية والتي لا تناسب مجتمعنا المتدين بطبعه حيث توجد للقيم الدينية هيمنة كبري علي الحياة العامة بصورة لا يمكن اغفالها . كذلك سيكون من الخطا محاولة تحقيق كل طموحاتنا دفعة واحدة وهو ما سيكلفنا ضياع كثير من الوقت والوقوع في خلافات جانبية و كان منها علي سبيل المثال نسبة ال 50 % للعمال والفلاحين بمجلس الشعب او المادة الثانية من الدستور وكان لهذه الاخيرة زوبعة كبيرة عند اثارتها فهناك من هدد بالتصعيد ان مسها احد او شرع في الغائها - وهناك من طالب بحل وسط يتمثل في تعديلها من خلال حذف الالف واللام لتصبح مصدر رئيسي للتشريع بدلا من المصدر الرئيسي للتشريع - والبعض الاخر اصر علي بقائها باعتبار انها لا تتعارض مع مباديء الدولة المدنية

وهذه المادة تم صياغتها والتوقيع عليها مع دستور 1971 وتنص علي ان : الاسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية ومباديء الشريعة الاسلامية المصدر الرئيسي للتشريع
وقد ذكرنا ان تركيا اعلنت العلمانية عام 1924 رغم ان دستورها ينص علي ان الاسلام هو الدين الرسمي للدولة - كذلك فان جميع دساتير الدول العربية تقريبا تنص علي نفس صيغة مادتنا الثانية هذه - كما ان بعض الدول الاوروبية بها مواد مشابهة عن المرجعية الدينية فمثلا الدستور الاسباني ينص علي ان راس الدولة يجب ان يكون كاثوليكيا وهو المذهب الرسمي للدولة - والدستور اليوناني ينص علي ان الدين الرسمي للدولة هو المسيحية الارثوزكسية - والدستور الدنماركي والسويدي ينص علي ان الملك يجب ان يكون من اتباع الكنيسة الانجيلية اللوثرية
و كذلك عندما تم صياغة دستور الاتحاد الاوروبي الموحد الموقع عليه عام 2004 بروما نص علي المرجعية الدينية المسيحية لدول الاتحاد رغم انها كلها دول مدنية وبعضها علماني ايضا ولا يوجد بدستورها ما ينص علي تلك المرجعية
ومن هنا نخلص لعدة حقائق :

اولا : ان الابقاء علي المادة الثانية لا يعني اي تعارض مع مباديء الدولة المدنية او مباديء حقوق الانسان او القوانين الدولية ولا ينتقص من حقوق اي طائفة بالمجتمع بل هي فقط تراعي مشاعر الغالبية وتجاملها ولا تستعدي او توقع اي ضرر بطائفة اخري ولن يعود عليها بفائدة جديدة لو تم الغاءها - فعندما تنص المادة علي ان الاسلام دين الدولة هو فقط اقرار بدين الغالبية من السكان تماما مثلما نقول ان ايطاليا دولة مسيحية رغم وجود اقليات دينية اخري بها

ثانيا : عندما تنص المادة علي ان مباديء الشريعة الاسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع لا يعني انها المصدر الوحيد للتشريع اي لامانع من الاخذ من مصادر اخري كالدين المسيحي او القوانين الدولية - والشيء الاخر الجدير بالملاحظة ان هناك فارق واضح بين القول مباديء الشريعة الاسلامية والقول احكام الشريعة الاسلامية

ثالثا : وجود هذه المادة ليس معناه اقامة الدولة الدينية والتي لم يعرفها الاسلام قط طوال تاريخة ولم يسعي او يشترط اقامتها وبالتالي لن يتم فرض نمط الحياة الاسلامية علي غير المسلمين بالقوة بل سيظل - كما كان و منذ صحيفة المواطنة بالمدينة المنورة - يعطيهم الحق في تنظيم شئونهم الاجتماعية وممارسة طقوس دينهم بحرية . وهو ما يتضح من نصوص المواد الاخري بالدستور والذي يجب قراءته كجسم واحد وكتلة متماسكة فهناك مواد تشرح وتفسر مواد اخري مما تضع حدودا تمنع التمييز باي صورة من الصور بين المواطنين او تنتقص من حقوق المواطنة - فالمادة 40 مثلا من نفس الدستور تنص علي ان المواطنين لدي القانون سواء وهم متساون في الحقوق والواجبات العامة ولا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس او الاصل او اللغة او الدين او العقيدة - ومما هو جدير بالذكر ان مباديء الانجيل هي التي تطبق في مسائل الاحوال الشخصية للاخوة المسيحين وذلك بنص القانون 462 لسنة 1955
اما ما يقوم به البعض من خلط بين الحق في بناء الكنائس وترميمها او خانة الديانة بالبطاقة الشخصية وغيرها .. فلا دخل للمادة الثانية بها وكلها امور تتبع قوانين اجراءية فرعية ولا يوجد بالدستور ما ينص عليها

رابعا : ان المرجعية الدينية بالدستور هي بمثابة الحماية للجميع من المغالاة والتطرف العلماني الذي قد يؤدي للجور علي حقوق بعض الطوائف او اعاقة ممارستهم لشعائر دينهم او طقوسه

وفي النهاية و من خلال التركيز علي اقامة الدولة الديموقراطية المدنية سناتي بمجالس شعبية منتخبة تمثلنا وبصدق وبالتالي ستخرج علينا بقوانين اجراءية ترضينا جميعا وتحقق طموحاتنا.. فلا خوف في ظل وجود الديموقراطية الحقيقية فمازلت دول عريقة ديموقراطيا تراجع وتطور من دساتيرها وقوانينها بناء علي رغبة وحاجة مواطنيها لتحقيق مزيد من الحرية والديموقراطية والعدالة الاجتماعية

19.4.11

الدولة الديموقراطية - الدولة المدنية - الدولة العلمانية

لا شك ان ما نحتاج اليه حاليا هو حوار مجتمعي حقيقي يشارك فيه كل التيارات الوطنية من اجل الوصول لقناعة جمعية وصيغة توافقية تتحدد من خلالها الهوية الوطنية
وفي هذه المرحلة الانتقالية ظهر علي السطح احداث متسارعة ونقاش حاد بسبب و حول التداخل الصارخ بين العمل الديني الدعوي والعمل السياسي العام حيث تطمح الجماعات الدينية بكافة اطيافها في لعب دور سياسي وطني وهو بلا شك حق للجميع وذلك لصالح المجتمع كله و لحماية الديموقراطية دون تهميش او اقصاء لاي فئة كانت وذلك في اطار قواعد واضحة ومقبولة وبالتالي يحترمها ويتبناها الجميع واولها الاصرار علي اقامة الدولة الديموقراطية المدنية . و وصل الجدل و اللبس حول مفاهيم الدولة المدنية والدولة العلمانية وانقسم الناس وتبني كل قطاع وجهة نظر واخذ في الدفاع عنها باستماته وهذا ليس بالشيء السيء بل هي ارهاصات ستؤدي في النهاية لصياغة الهوية المسقبلية المنشودة وهي دولة مصر الديموقراطية المدنية

فالدولة كنظام سياسي و ببساطة اما ان تكون ديموقراطية او غير ديموقراطية اي مستبدة سلطوية تتبني الديموقراطية شكلا لا مضمونا ومنها الدول الشمولية حيث حكم الحزب الواحد والفرد الواحد . ومنها الدول العائلية حيث العائلة تملك وتحكم وتتوارث كلاهما الملك والحكم . وهناك الدولة المدنية وعكسها الدولة الدينية والدولة العسكرية وفي الاولي يحكم رجال الدين كدولة الكاردينالات في الفاتيكان وهم ممثلو العناية الالهية ويشبهها لحد ما دولة ايات الله في ايران وعكس الدولة المدنية ايضا الدولة العسكرية والتي يصل فيها العسكر للحكم بالانقلابات العسكرية
اما الدولة المدنية هي التي يحكمها المدنيون من خلال دستور واضح وثابت مكتوب او غير مكتوب ولكنها ترتكز علي مبدا حق المواطنة الذي يضمن عدم التمييز بين المواطنين باي صورة من الصور لانهم متساون في الحقوق والواجبات

وما ننشده لمصرنا تلك الدولة المدنية بشرط ان تكون ديموقراطية في الاساس ترتكز علي الانتخاب السري المباشر في كافة نواحي الحياة السياسية وتلتزم بالمباديء الواردة بالمواثيق الدولية وحقوق الانسان وحرية التعبير وتقوم علي الفصل التام بين مؤسساتها السيادية التنفيذية والتشريعية والقضائية والدينية والعسكرية

وهناك دول ديموقراطية ولكنها شبه مدنية كاسرائيل مثلا حيث يوجد بها تدخل قوي للمؤسسة العسكرية وللاحزاب والقوي الدينية في شئون الحياة والسياسة وقد كانت تشبهها كثيرا تركيا حتي عام 2002

اما الدولة العلمانية فهي دولة مدنية وقد تكون ديموقراطية او غير ديموقراطية وهي تتبني الفصل التام بين الدين والحياة العامة حتي في ابسط الامور وهو ما يطلق عليه المغالاة في المدنية وكانت بدايتها التاريخية عند وجود الدولة الدينية في اوروبا في القرن الثامن عشر حيث بدا تمرد الناس علي الكنيسة حيث كان اغلبها دول دينية وهو ما لم نعرفه في تاريخنا الاسلامي ولم نسمع عن الدولة الدينية الا بعد نجاح الثورة الاسلامية الايرانية وان لم تكن دولة دينية تماما بالشكل الاوروبي القديم

ويذكر ان قليل من الدول الذي ينص دستورها علي انها دول علمانية ومنها الولايات المتحدة الامريكية وكندا وفرنسا والاخيرة هي اصرخ مثال علماني و قد عرضها للنقد الدولي اكثر من مرة كما حدث مؤخرا بعد صدور قانون منع الرموز الدينية ومنع النقاب . وكذلك تتفاوت درجة العلمانية من دولة لاخري حتي وان لم يذكر دستورها ذلك باعتبارها صورة من الدولة المدنية كاغلب دول الغرب . وهناك دول لظروف تركيبتها الطائفية المعقدة اختارت العلمانية منهجا كالهند ولبنان ومنها من اختار العلمانية لاسباب ايدولوجية وسياسية كتركيا التي اعلنت العلمانية ابان حكم كمال اتاتورك عام 1924 رغم ان دستورها ينص علي ان الاسلام هو الدين الرسمي للدولة
وللحديث بقية

16.2.11

على هامش ثورة مصر المنصورة 11- 2 - 11

وأخيرا نجحت ثورة مصر وثورة شعبها، وسقط واحد من أعتى النظم طغيانا واستبدادا في العالم، وهو ما لم يكن يتوقعه أشد الناس تفاؤلا . وهنا يجب أن نعتذر جميعا للشعب المصري الذي إتهمناه جميعا بالخضوع والإذعان، وتمادينا كثيرا في جلد أنفسنا ولكن أثبت هذا الشعب للجميع كم أنه عظيم وراقي في ثورته، وكيف نفض عن نفسه في لحظة ثورية فارقة كل ما كان يشوب شخصيته، أو ما كنا نظن أنها من المكونات الأساسية في شخصيته. ويا للعجب كما لو أنها كانت لمسة سحرية قد حدثت لشعب مصر كشفت عن معدنه النفيس بعد أن ساد الإحباط وفقدان الأمل كافة مناحي الحياة ولعقود طويلة، وتحقق ما كنا نردده ونحلم به من ثورة مليونية في يوم جمعة وفي عدة محافظات مصرية والتي ستكون الشرارة الأولى منها . فيتغير وجه مصر - وها هو قد كان وأصبح الحلم حقيقة وتنحى مبارك في هذا اليوم 11-2 -11

لقد غيرت ثورة مصر صورة العربي أيضا وبشكل إيجابي في العقل الغربي والعالمي بعد أن تم تشويه هذه الصورة بعد أحداث 11 سبتمبر

فثورة مصر المنصورة والتي أشعل شرارتها ومن البداية شباب مصري كشف عن مدى وعيه وإدراكه لوسائل عصره وإبداعه في كيفيه تنظيمه للحدث وبشكل رائع؛ وهو ما أعطاه تلك الصورة البراقة والمشرفة، ومنحه تأييد العالم كله، وجعلنا نفتخر جميعا بمصريتنا في كل مكان، وأعاد لنا مصرنا العزيزة وإبتسامتنا المفقودة، وإن شاء الله لن نتخلى عن طموحاتنا وسنعبر بمصر تلك الفترة الانتقالية الضبابية، ونصنع نموذجا ديمقراطيا كاملا، ونحن بمنتهى اليقظة والإصرار سنستثمر هذه اللحظة الثورية في تاريخ مصر لنصنع لها مستقبلا نفتخر به، ونرضاه لمصرنا العزيزة

وبعيدا عن الرصانة بعض الشيء وعلى هامش الحدث العظيم فمن حقنا أن نفرح، ونتخلي قليلا عن جديتنا؛ فلقد ذكرتني تلك الأيام ببعض الأشياء أولها أن المنصورة تحتفل في ذلك اليوم 11 فبراير من كل عام بانتصارها علي الحملة الصليبية السابعة علي مصر بقيادة لويس التاسع، والذي تم أسره بدار ابن لقمان الشهيرة بالمنصورة، وكان ذلك يوم 11 فبراير 1250 ، ولكن من اليوم سيحتفل شعب المنصورة بانتصار 11 فبراير 1250 على الصليبين، وكذلك برحيل حسني مبارك في 11 فبراير2011 وبالمشاركة في انتصار شعب مصر كله في أول ثورة شعبية حقيقية

وأيضا ومن الغريب أنه حدث في 11 فبراير 1979 أن تم إعلان نجاح الثورة الإيرانية وسقوط الشاه

والشيء الملفت فيما سبق هو تكرار ذلك الرقم 11 ، والذي يطلق عليه من يعملون بالتنبؤ والتنجيم بالرقم السحري، وإن كنا لا نؤمن أو نصدق ما يقولونه، فإن لي قصة طريفة مع هذا الرقم، أذكر أنه بعد أحداث 11 سبتمبر، وفي مقابلة تليفزيونية بمحطة إيطالية سألت المذيعة أحد المتخصصين في نبوءات نوستراداموس - وهو الطبيب اليهودي الفرنسي والمنجم الشهير، والذي أتهمه البعض بسرقة محتويات مخطوط إسلامي وكان به أحاديث لأبو هريرة عن فتن آخر الزمان، ونقل منها تلك النبوءات، وأنه طمس وأخفى بعض حقائقها أو وضعها في غير ترتتيبها حتى لا يُتهم بالسحر وتتم محاكمته - وكان عندما يحدث بالعالم شيء جلل تجد المتخصصين في ذلك المجال يخرجون علينا بنبوءة كانت مكتوبة ومسجله عند نوستراداموس - وان كان هذا ليس موضوعنا - عموما سالت المذيعة ذلك المتخصص عما حدث في 11 سبتمبر فقال لها: إن السر في رقم 11 والمكون من 1+1 والرقم واحد هو بداية الارقام بمعني حدث فارق، وبداية مرحلة جديدة، والرقم واحد بالغة العربية يكتب كالحرف ألف وهو بداية الحروف، وكذلك لو لاحظنا شكل البرجين اللذين سقطا بأمريكا هما كالرقم 11 أي أنه حدث فارق وأن العالم قبل أحداث 11 سبتمبر لن يكون هو نفسه بعد ذلك التاريخ - كل ذلك قاله الرجل ولك أن تصدق أو تكذب أو تقول كذب المنجمون ولو صدقوا - ولكن المفاجأة كانت في السؤال الثاني فقد سألته المذيعة السؤال التالي: بحكم معرفتك وتخصصك بنوستراداموس،  ما هو الحدث الجلل التالي الذي سيحدث بالعالم ويغيره بعد أحداث 11 سبتمبر؟ قال الرجل: قريبا ستهتز مصر وترتجف !! واكتفى ولم يضف أي شيء آخر - كان هذا من حوالي عشر سنوات وعندما اندلعت الثورة المصرية المباركة فرحت ككل الملايين، ولكني تذكرت الرجل وقلت في نفسي كذب المنجمون ولو صدقوا ولكنني و لذلك ربما كنت أكثر الخائفين على مصر من انفلات الأمور الأمنية أو حدوث فوضى عارمة، خاصة عندما انسحبت الشرطة من الشارع وتم إطلاق المجرمين على الناس، وانتشرت تلك الأعمال الإجرامية بطول مصر وعرضها؛ ووضعت يدي على قلبي وتضاعف رعبي يوم الجمعة 11 فبراير؛ لأنه يوم الرقم السحري، وظللت طوال اليوم أتابع الأحداث لحظة بلحظة، وبمشاعر مختلطة بين الخوف والرجاء، وبالفعل تحققت النبؤة واهتزت مصر كلها ولكن فرحا وانتصارا !!! وسيكون فعلا يوم 11 فبراير 2011 حدث فارق وبداية رائعة لمصر، وأيضا لعصر جديد لمصر حرة وعزيزة

5.2.11

روح 25 يناير تتجسد في احزاب سياسية رسمية

واخيرا اتضحت وظهرت جليا تلك الروح الحقيقية لشباب مصر من خلال ثورتهم الشريفة والتي لم تعرف مصر مثلها علي مدار تاريخها وقدموا في سبيلها مئات من الشهداء والاف الجرحي وبرهنوا للجميع انهم ليسو بخاملين او خانعين بل بهروا العالم كله بالاعنف والحرص علي بلدهم وبالتنظيم الجيد لادارة الازمة والاحداث وبالقدرة علي حشد وتنظيم الملايين بالشوارع والميادين وبشكل حضاري وذلك بتوزيع الادوار بينهم كلجان التفاوض والاعلام والمستشفي الميداني التطوعي لمعالجة الجرحي ولجنة لجمع وتوزيع التبرعات والمؤن ولجان شعبية لحماية المظاهرت والشوارع والميادين والممتلكات من الاعتداءات والبلطجة

ولقداستطاعوا بوعيهم وتنظيمهم وتحضرهم كسب الراي العام العالمي وصار مواطنو العالم ينظرون لهم بكل الاحترام و التقدير و تعاطف الجميع معهم و ايدوا واقتنعوا باهمية التغيير في مصر وحتميته

وان شاء الله و في المستقبل وبعد نجاح الثورة وبعد ان يتم تنفيذ مطالب الشعب المشروعة وتستقر الامور فمن مصلحة مصر ومصلحتنا جميعا ان تستمر هذه الروح الشابة الشريفة في العمل وان تستثمر تلك الطاقة الخلاقة في صنع المستقبل وذلك بان تتجسد في احزاب سياسية رسمية - بعد اصلاح الدستور وازالة المواد المعوقة لاقامة الاحزاب - احزاب تجمع في داخلها هؤلاء الشباب و الغير مسيسين وكل وطني حقيقي وشريف يريد المشاركة في صنع مصر الجديدة والحياة الحزبية بها كل في التيار الذي يرضيه ويمثله و بذلك لا ينسحبوا من الساحة السياسية او ينعزلوا علي انفسهم مرة اخري و لا يتركون مكتسباتهم لصائدي الفرص و الانتهازيين وهذا لن يتاتي الا بصنع احزاب اخري جديدة و تختلف عن احزاب المعارضة التقليدية الموجودة علي الساحة حاليا بالاضافة لما يحدث الان من انهيار لما يسمي بالحزب الوطني الحاكم ولابد من ملء هذا الفراغ كل حسب توجهه فمن اراد ان ينضم لحزب قائم او تيار قائم يمثله فله الحرية - ولكن ماذا عمن يريد تيار او حزب جديد مختلف عن الموجود حاليا علي الساحة ؟ وهم الاكثرية فيما اعتقد - فلابد من اطلاق حرية تكوين الاحزاب في هذه الفترة وبسرعة

في راي هذا الخيار ضروري وذلك لحماية مكتسبات الثورة ولاثراء المشاركة في الحياة السياسية والحزبية والديموقراطية القادمة في كل مراحلها و لاستيعاب الشباب والمواطنين الغير منتمين لاي تيار تقليدي موجود حاليا ويرغبون في اطار جديد ومختلف قد لا ينتمي الي الماضي او من سيعود من الماضي بنفس الرموز ولكن بشكل جديد

وبالتاكيد نريد احزابا تقدم برنامجا اصلاحيا شاملا يرتكز علي القيم الديموقراطية العالمية واهمية اقامة دولة مدنية ترسخ حق المواطنة والحريات العامة و تحقيق العدالة الاجتماعية واقامة دولة المؤسسات و محاربة الفساد

20.1.11

اشكالية الحكومة الانتقالية بعد الثورة التونسية

تابعت كما تابع الملايين تطورات الانتفاضة التونسية الملهمة من يوم انطلاقها بالفرح والترقب الممزوج بالدعاء الي يوم ان رحل الطاغية . وكان نجاح التجربة نجاحا لكل المظلومين في العالم العربي والذي بدات تهب عليه رياح التغيير بعد انتظار طويل وبعد ان هبت علي كل مناطق العالم الاخري وتناستنا ولم يتبق الا منطقتنا وها هي تبدا من تونس واجزم انه ليس باستطاعة احد الان ان يوقفها او يلغي توابعها .

وكعادة الثورات التي تندلع متاخرا و بعد عقود من الصبر والاستسلام تظهر المشكلة في اليوم التالي لنجاح الثورة وظهور السؤال الحتمي الصعب - وماذا بعد ؟ ما هو البديل للنظام المخلوع ؟ بمعني اخر كيف يتم تشكيل حكومة انتقالية لا تكون صورة طبق الاصل من النظام السابق او جزء منه ؟ او حكومة من الانتهازين تقفز علي الثورة وتخطف مكتسباتها او تلتف بشكل كامل علي الثورة وتعود بالاحداث للمربع صفر .
وللاسف تلك الانظمة الدكتاتورية ومع طول الزمن تغلغلت من خلال اعوانها بكل مؤسسات الدولة فهذه الانظمة الفاسدة ابعدت كل الشرفاء ولوثت كل الضعفاء وحجبت عن الشباب العمل العام و السياسي فانعدمت الكوادر المدربة . ولقد احزنني ان كثير منا لم يستوعب التجربة بل واختزلها في مسالة البوعزيزي الذي احرق نفسه كما لو اننا لابد ان نحرق انفسنا لنتحرر!! فكيف للانتحار والموت ان يصنع حياة ومستقبل ؟

وفي راي انه كان من المفترض في اليوم التالي لنجاح الثورة ان تسير الامور بشكل مختلف وبالتالي لنتائج افضل واسرع لو تم تنفيذ امرين :-

الامر الاول : تشكيل مجلس رئاسي اعلي يحل محل رئيس الجمهورية المخلوع وعلي ان يتكون هذا المجلس من ممثل عن كل حزب اوحركة سياسية بلا استثناء من الداخل والخارج محظور ومعترف به بالاضافة لممثل عن الاتحاد العام للشغل وممثل عن المنظمات الاهلية او الحقوقية او اي قوة وطنية مقبولة بالاضافة لوزير الدفاع الحالي والذي ظهرت وطنيته وحسن نيته في كل الاحداث التي جرت . وفي النهاية يتم اختيار شخصية من داخل هذا المجلس بالاغلبية ليكون رئيسا للجلسات و كمتحدث رسمي وحيد باسم هذا المجلس منعا للبلبلة .

الامر الثاني : ان يقوم المجلس الرئاسي الاعلي بتشكيل حكومة تكنوقراط مؤقتة لتسيير الاعمال وشئون الاجهزة الحكومية في شكل مجلس وزراء يحمل حقيبة كل وزارة وكيل وزارة فني متخصص و مقبول لاغلبية المجلس الرئاسي و بشرط ان يبتعد تماما عن العمل السياسي . علي ان يتم التحضير الفوري والسريع للانتخابات التشريعية ومن بعدها الانتخابات الرئاسية .

كل هذا دون ان ينسحب المتظاهرون من الشارع قبل استكمال تلك الاجراءات وان يظلوا متابعين ويقظين تماما لكل ما يجري فالثمن المدفوع كان باهظا وليس من حق الشهداء علينا جميعا ان نغض النظر او نتنازل عن اي شئ بعد الان .