نهوض مصر..

المرء ليس محاسبا على ما يقول فقط ، بل هو محاسب على ما لم يقله إذا كان لابد من أن يقوله !







3.6.11

التيار اليساري المصري ... وتساؤلات ضرورية

بعد 25 يناير - وعلى حد علمي - ظهر على الساحة السياسية حزبان يساريان جديدان: هما حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، وحزب العمال الديموقراطي إضافة إلى حزب التجمع الموجود أصلا على الساحة منذ عام 1976 ،وكذلك عودة الحزب الشيوعي المصري للعمل في النور مرة أخرى، وكان أول حزب يساري عرفته مصر، وتأسس عام 1921 باسم الحزب الاشتراكي المصري، وذلك على خلفية حراك ونشاط عمالي مميز شهدته مصر حينها، وساهم في تلك المرحلة العديد من الأجانب المقيمين بمصر و خاصة الجاليتين الإيطالية واليونانية، وهي نفس فترة قيام الثورة الروسية الأولى والثانية 1905/1917 والتي استبشر بها الكثيرون، واعتبروها نقطة تحول لتصحيح المسار التاريخي لصالح قضايا العمال والفلاحين والفقراء بما يضمن لهم مزيد من العدالة الاجتماعية وكخطوة للأمام بعد أن أهدت لنا - الثورة الفرنسية الثالثة 1848 وما سُمي بربيع الثورات الأوروبية - أسس الدولة المدنية التي تقوم على الحرية والإخاء و المساواة. واليوم وبعد هذه الانطلاقة الجديدة للأحزاب اليسارية المصرية الأربعة كان من الضروري وحتي تتضح لنا الصورة أن نطرح مجموعة من التساؤلات

أولها: ما أهمية وجود تيار يساري منافس وقوي على الساحة السياسية؟ و لماذا يجب علينا أن ندعمه ونقويه؟
بالتأكيد نخطأ كثيرا لو اختصرنا العدالة الاجتماعية في الديموقراطية فقط، و نخطأ أكثر لو اختصرنا الديموقراطية في الانتخابات فقط !! فالعدالة الاجتماعية هي مطالب مشروعة تتراكم وتترسخ من خلال خبرات وتجارب نضالية، تبدأ من القاع حيث تتبلور وبصدق في القواعد الشعبية الممثلة في نقابات واتحادات حرة تصل بصوت الناس ومطالبهم إلى السلطة. مع التاكيد على أن الوصول للسلطة من خلال ممثلين برلمانين أو حكوميين ليس هدفا في حد ذاته، بقدر ما هو وسيلة لتنفيذ تلك المطالب، ومن هنا يصبح من الضروري وجود تيار يساري قوي على الساحة؛ يتبنى تلك الرؤية ويصبح الضابط لبوصلة التوجه العام والسياسة العامة للمجتمع بالشكل الذي يضمن عدم استمرار ظلم وتجاهل تلك الفئات الفقيرة ويمنع الانتقاص من حقوقهم التي غابت عنهم سنوات طويلة

والتساؤل الثاني: ما هي التحديات التي تواجه التيار اليساري المصري؟
ا- ضعف القاعدة الشعبية التي يرتكز عليها حاليا مثل كل التيارات الأخرى والتي عانت جميعا من تضيق وتهميش في ظل حياة سياسية فاسدة طوال العقود الماضية
ب - أن جانبا من هذا التيار نخبوي بعيد عن الشارع والذي اختلف كثيرا عن شارع الستينات؛ مما يتطلب جهدا كبيرا في استقطاب أنصار جدد مستعدين للنضال من أجل قضايا الفقراء، خاصة في ظل ضعف مصادر التمويل وقلة الكوادر الحزبية
ج - صعوبة التأقلم مع فكرة التحالفات والائتلافات، وخاصة مع تيارات قد تطرح العدالة الاجتماعية كمجرد دعاية انتخابية أو تتبناها كهامش محدود كتحصيل حاصل وهو ما لا يتفق مع رؤية اليسار التي تنشد نموا اقتصاديا شاملا للمجتمع ويحفظ في نفس الوقت للمواطن البسيط حياة كريمة

والتساؤل الثالث: ما هي صورة التيارات اليسارية على الساحة الدولية؟
الصورة الأولى: هي التيار اليساري في أوروبا الشرقية والذي أصبح يجمع خليطا مشوها من الاشتراكية والليبرالية ومازال يبحث عن طريقه في ظل ديموقراطية هشة تحتاج للكثير من الاصلاح السياسي ومحاربة الفساد المستشري
والصورة الثانية: هو يسار أمريكا اللاتينية، فرغم الصعود والنجاحات النسبية التي حققها إلا أنه مازال يتخبط لأن الناس هناك لم تشعر بعد بالتغيير، ومازالت تلك الدول تعاني من مشكلات واضحة
والصورة الثالثة: اليسار الأوروبي - وأود أولا أن أؤكد على أن ما تتمتع به المجتمعات الأوروبية من هامش جيد من العدالة الاجتماعية يميزها عن العالم كله هي نتاج نضال طويل للعمال ونقاباتهم واتحاداتهم بالدرجة الأولى، وليست بفضل الأحزاب السياسية لأن هذه القيمة تأصلت في المجتمع. ولم تكن الديموقراطية أو الدولة المدنية إلا الوسيلة الجيدة للحفاظ على هذة المكتسبات، ولعل هذا ما يشعرك حاليا بعدم وجود فارق كبير بين حكومة يمينية أو أخرى يسارية في السلطة من هذه الناحية
و لقد سيطر اليسار على أوروبا منذ 12 عاما، حيث استطاع تشكيل 13 حكومة في 15 دولة، هي عدد دول الاتحاد، أما اليوم فإنه يشارك في 8 حكومات ائتلافية فقط في 27 دولة أوروبية، آخرها كان نجاح الحزب الاشتراكي الإسباني بزعامة ثاباتيرو 2004

والتساؤل الرابع: ما هي أهم الأسباب التي أعاقت سيطرة اليسار الأوروبي وأدت لتراجعه المتواصل في منافسته للتيار اليميني؟
ا - غياب جزء كبير من القوة المجتمعية الحاضنة للتيار الاشتراكي وهي الطبقة العاملة نتيجة تغير أنماط العمل من كثيف العمالة إلى أعمال قائمة على التكنولوجيا والمعرفة - أو هروب رأس المال للدول الرخيصة العمالة - وتحول جزء كبير من فئة العمال إلى الطبقة المتوسطة والبرجوازية الصغيرة، وهي طبقة ذات طاقة ثورية محدودة
ب - صعود اليسار الراديكالي بقوة على حساب يسار الوسط المنقسم أصلا مما يهدد دوما بقطع الطريق أمامه نحو السلطة
ج - تبني أغلب أحزاب اليسار الأوروبي لأفكار مشابهة لأفكار اليمين خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي 1991 ، وبعد سقوط جدار برلين، وما أطلق عليه الطريق الثالث وهو ما لم يقنع الكثيرين

والتساؤل الخامس: ما هي أهم المشكلات الاقتصادية التي تواجه اليسار حاليا وتمنعه من تحقيق أكبر هامش ممكن من العدالة في ظل تغول العولمة وسياسات السوق و التجارة الحرة التي فرضتها على العالم المؤسسات الدولية والتكتلات الاقليمية؟
ا - عودة تركيز ثروة الأمم مرة أخرى في يد طبقة محدودة جدا من الرأسمالين مما أخل بعدالة التوزيع؛ وبالتالي زيادة نسب التضخم والبطالة وهو ما عبر عنه الكثيرون مؤخرا بالنزول للميادين وتصاعد حدة الاحتجاجات والاضرابات
ب - إن المشكلات المالية والاقتصادية العالمية الأخيرة قد ترتب عليها رفع لأسعار الغذاء والطاقة وعراقيل كبرى أمام التمويل مما ترتب عليه انكماش اقتصادي عالمي دفع الحكومات وأعوانهم من الرأسمالين لمحاولة التنصل من بعض مكتسبات العمال. وكان من المنتظر أن يستفيد اليسار من هذه الازمة وتبعاتها، ولكنه ظهر مترددا أغلب الأحيان في تحديد وسائل الخروج منها على عكس اليمين الذي تظاهر بحس عملي وبنكهة يسارية ساعده فيها أن أغلب الناس قد حملوا المصرفيين والشركات المالية الكبرى مسئولية الأزمة وليست سياسات اليمين

وفي النهاية نصل للتساؤل السادس والأخير: ما هو الدور المطلوب الآن من اليسار المصري الجديد؛ لكي يحقق ما يأمله منه الناس في هذه المرحلة الفاصلة؟
ا - مساندة الفقراء، وتوعية الطبقات العاملة بحقوقها، والتفاعل معهم ودفع المجتمع نحو اطلاق كافة الحريات النقابية وحرية التظاهر والاضراب، وتنفيذ الأحكام القضائية المؤيدة لذلك. فالعمل النقابي سيؤتي ثماره سريعا فهو التربة الخصبة لنمو اليسار وبالتالي سينعكس وبقوة على العمل الحزبي أيضا
ب - الإصرار على أجر عادل يضمن حياة كريمة للجميع من خلال حد أدنى وحد أقصى للأجور، وخلق نظام ضريبي تصاعدي يوفر للدولة موردا لازما لتقديم مزيد من الخدمات الاجتماعية و الصحية و التعليمية والإعانات والبرامج التاهيلية والتي تعود على المجتمع والفرد بالفائدة، ولكي تصبح مصر مقصدا للمستثمرين ليس بسبب رخص عمالتها، ولكن لكفاءة تلك العمالة، وللمزايا الاستثمارية الكثيرة الأخرى
ج - وضع تصور عملي لمنظومة اقتصادية ذات آلية محددة وخريطة طريق واضحة لإنقاذ اقتصاد مصر نُصلح بها ما أفسده الانفتاح العشوائي في العقود السابقة؛ حتى نتمكن من الانطلاق للمستقبل، و نحن على أسس قوية تضمن استمرارية هذا النجاح

هناك 5 تعليقات:

  1. وجدي كمال3/6/11 19:33

    الجزء إللي فوق هو رصد للواقع ومش حنختلف فيه كتير - غير أنه في النهاية لايعطي صورة عن وضع المجتمع الحالي ولايرصد كيفية التعامل معه.
    ثم تأتي للتسؤل السادس - نفس المشكلة - الدور الذي حددته - كيف يمكن تحقيقه في ظل الوضع الحالي.
    عندنا قوى دينية قوية سيطرت على الشارع المصري بعد صفقتهم المشئومة مع السادات - فدخل الدين وخرجت السياسة. ويتم تمويله من الخليج والسعودية تحديدا، وهو طامح بقوة للسيطرة على البرلمان ووضع دستور دولة إسلامية سنحتاج لخمسين سنة أخرى للتخلص من آثارها على المجتمع.
    وهناك قوى ليبرالية تختلف مثلنا مع التيار الديني، فكيف يمكن التحالف معها مرحليا لمواجهة التيار الديني؟؟ هذا هو السؤال اليوم - ونحتاج لأن نجيب عليه فورا لأنه بعد 3 شهور سنواجه جميعا لحظة الحقيقة - وهي بكل المقاييس ستكون تاريخية.

    ردحذف
  2. غير معرف3/6/11 20:35

    الحل انا قلت انه يتمثل في العمل النقابي والنزول للشارع مع العمل الحزبي جنبا الي جنب اما عن التحالفات الانتخابية فستتضح عندما تتضح الصورة الاخيرة للاحزاب وشكل العملية الانتخابية علي الارض

    ردحذف
  3. أزال المؤلف هذا التعليق.

    ردحذف
  4. Again, this is a smooth and flowing analytical logic that I have come to expect nothing less from you.

    While I do not have fundamental differences with the logic that you have very eloquently presented, I do have a different perception and interpretation of the current political scene in Egypt.

    I am one of the very few foreign born and raised Egyptians who have no faith in the party political system in spite of the fact that it is the only system that I was imbibed with during my politically cognitive years.

    growing up in the US with half my family of Egyptian Blood and the other half is of American blood, I was in a unique position to observe and register a substantial difference in the very structure of the ethos of the soul of the two peoples, not only on the socio-political level, but on the very essence of the nature of the soul.

    9
    The sociopolitical evolution of the West into what we see at the present time could not have taken place without the contribution of Islamic civilization and the transfer of knowledge from East to West. Yet there is something more than advancement of technology and a heightened level of awareness and enlightenment that made possible for the West to reach this level of social harmony. Unfortunately, I believe and will continue to believe that the party system is not suitable for us in Egypt in particular and for all Islamic Societies in General.

    But if there would be no alternative to multi-political party system in Egypt then I would have to show favoritism to political parties with socio-economic welfare agenda. A socialist party with Islamic background would be a party in which I could see myself voting for.

    I see the greatest danger to the very future of Egypt coming from the uncontrolled, highly Western-supported influence of the parasite business moguls on Egypt’s Press, Media and Education … That’s where the horns of the devil would be rising from. To maintain the cohesive nature of Egypt’s social fabric, any future government would have to eradicate and deface the ugly faces of sectarian descent influenced by business moguls. This would have to be radical surgical removal of the cancer for once and for ever.

    I will deviate from my usual way of withholding my political party affiliation and say this only here on your blog, this putative secular state system is a farce. The Islamic state is a non-theological state. Egypt is an Islamic country, where 80 million claim Islam to be their religion, whether they practice it or not … If they do not practice it, then they should come out of the closet out right and proclaim themselves to be anything but Muslims and adopt whatever agenda they deem fit for themselves in broad daylight not disguised under pseudo names.

    Nobody would be able to deceive the Egyptian people by connivance under any guise. Therefore, I firmly believe that whatever political parties that would have parliamentary majority in Egypt would be those with whom the greatest majority of the people have affinity, e.g., Parties with Islamic leanings, call them what you may. There will be other parties of every political persuasion, but I assure you, they will be cursory, marginal and trivial forces on Egypt’s political scene. The enemies of Islam, I assure you, will desiccate and fall out of grief and calamitousness.

    Once again, Adel, I have thoroughly, as always, enjoyed reading your smooth and orderly analysis and look forward to your next post.
    6/6/11 08:14

    ردحذف
  5. غير معرف15/6/11 00:56

    Very good article. I think the time for socialism has really gone - if by socialism we mean Marxism. The way forward is social democracy. This group now presents itself as the Third Way. The Bristish Labour pParty is the best example of it. All modern governments these days combine the best elements of the two economic philosophies. Pure socialism has no future. It was tried in the USSR and China and they both abandoned their experience and embraced a different approach.

    The socialists have the best interests of the poor in their hearts, but they have to be less rigid, and iopen their minds to others' experiments, and beifit from them.

    PS The French Revolution occured in 1789 and not 1848.

    ردحذف