نهوض مصر..

المرء ليس محاسبا على ما يقول فقط ، بل هو محاسب على ما لم يقله إذا كان لابد من أن يقوله !







23.12.10

ازمة منطقة اليورو .. وتصاعد وتيرة الغضب الشعبي

التظاهر السلمي هو حق تكفله دساتير جميع الدول لمواطنيها وهي اصدق وسيلة للشارع للتعبير عن اعتراضه او رفضه للسياسات الحكومية . ويتميز في ذلك عن استطلاعات الراي و التي لا تعبر عن نبض الشارع بدقة بل وغالبا ماتكون خادعة او مضللة لاسباب كثيرة..وليس بالضرورة ان ترضخ الحكومات للمطالب الشعبية بسبب حدة التظاهرات ولكنها تمثل جرس انذار للحكومة بان موعدنا صناديق الانتخابات القادمة
والتظاهر له صور ووسائل متعددة يمكن تبسيطها وايجازها كالتالي نتدرج فيها حسب درجة الحشد والسخط مع التاكيد علي اهمية الاسلوب السلمي القانوني ودون اتلاف او تخريب للممتلكات العامة او الخاصة وبلا عنف متعمد تجاه احد

ا - الوقفات : التجمع امام مؤسسة ما او في سلسة بشرية طويلة
ب - الاعتصامات : التعسكر بميدان ما او باحد المقرات المعنية لايام
ج - المسيرات : اغلبها صامت وتعبر عن الحزن وتستخدم فيها الشموع او الملابس السوداء
د - الاضرابات : بمعني الامتناع عن العمل للاعتراض او للمطالبة بحقوق معينة وفي الغالب تنظمها النقابات
ه - المظاهرات : وهي الاحتشاد الشعبي لاكبر عدد ممكن وبشكل صاخب لرفض سياسات ما
و - العصيان المدني : وهو الشلل التام للحياة العامة وهو ذروة الرفض الشعبي
ز - الثورات : وهي الخروج الشعبي للشارع والمواجهة الكاملة لتغيير نظام الحكم بالكامل

والظاهرة الحالية في منطقة اليورو هي اضرابات ومظاهرات صاخبة تخرج فيها الناس وبكثافة عندما تمس السياسات الحكومية حياتهم ومستقبلهم بشكل مباشر وفي الغالب لايخرجون وبهذه الكثافة لسبب نخبوي كتغيير مواد الدستور مثلا !
هذا بالاضافة لدقة التنظيم ونجاعة وسائل الحشد التي تقوم بها النقابات العمالية واتحادات الطلاب وهما عصب المظاهرات الناجحة وفي العامين الاخيرين اصبحت المظاهرات شبه يومية بكل دول الاتحاد الاوروبي

ففي اليونان : مثلا خرجت المظاهرات تندد بفشل السياسات الحكومية وترفض حالة التقشف و التي علي البسطاء وحدهم ان يدفعوا فاتورتها
وفي فرنسا : خرج الملايين ولايام عدة اعتراضا علي مشروع قانون - تم تمريرة فيما بعد - ويقضي برفع سن التقاعد عامين من ستين عاما الي اثنين وستين بغرض زيادة حصيلة التامينات والمعاشات ولكنها سترفع نسبة البطالة بين الشباب
وفي انجلترا وايطاليا والمانيا وايرلندا : خرج الطلاب ضد الاستقطاعات المخصصة لهم بالموازنة وضغط الانفاق علي التعليم وبالتالي رفع جزء من الدعم مما يؤدي لزيادة المصروفات الدراسية ووضع البحث العلمي في مازق يهدد مستقبل العباد والبلاد

فهل هناك فعلا ازمة اقتصادية ؟ وماهي اسبابها ؟
بالفعل هناك ازمة اقتصادية لا يمكن ان ننكرها وان كنت اعتقد انها مبالغ فيها بعض الشئ وسنصل لهذه النتيجة بعدما نوجز سريعا بعضا من ملامحها

اولا : بدات الازمة كتبعات للازمة العقارية الامريكية والتي انتشرت انتشار النار في الهشيم لتشمل كافة المؤسسات المالية الدولية والوطنية والتي علي اثرها احجمت تلك المؤسسات علي تمويل واقراض المشروعات العامة والخاصة خوفا او تفاديا للخطا مما اثر بالسلب علي حركة السوق واصابه بالكساد فتوقف الاستثمار

ثانيا : ارتفاع الدين العام بدول منطقة اليورو حيث قامت الحكومات بالاقتراض من المؤسسات المالية بالمليارات لتمويل المشروعات العامة ولكن تم اهدار جزء كبير بسبب الفساد والبيروقراطية وهاهو الدين يتضخم والدول تعجز عن السداد حتي اصبح العديد منها علي حافة الافلاس كاليونان وايرلندا والبرتغال واسبانيا وايطاليا مما استدعي التدخل السريع للاتحاد الاوروبي لتقديم المساعدات وبشروط قاسية جدا تجبر هذة الدول علي اقرار سياسات تقشفية تؤثر بشكل اساسي ومباشر علي محدودي الدخل

ثالثا : في العقد الاخير ازداد وبشكل ملحوظ نقل كثير من المشروعات الكبري والمصانع كثيفة العمالة للخارج للعالم الثالث وبنفس التكنولوجيا وذلك للاستفادة من تدني التكاليف الاجمالية للانتاج وكذلك للاستفادة من المزايا الضريبية الممنوحة لهم كمستثمرين اجانب بتلك البلاد ومن هنا لم يعد هناك حاجة للمصانع الام الاصلية ولا للعمالة الاوروبية المكلفة جدا والمدللة !! وكذلك للهروب من ضغوط النقابات العمالية المتشددة بخصوص مستوي الاجور وظروف العمل
حتي ان الرجل رقم واحد بشركة فيات "ماركيوني " اعلن ان فروع الشركة بايطاليا تعرقل ربحية الشركة العالمية بسبب ارتفاع تكلفة الانتاج وخاصة بند العمالة

وهكذا وبحجة هذه الازمة قامت اغلب الحكومات المتعاونة والمؤيدة لرجال الاعمال بتمرير العديد من التشريعات والقوانين التي استطاع من خلالها القطاع الخاص التحايل والضغط علي العمال للتخلي عن مكتسباتهم التي حاربوا وحارب اجدادهم سنوات طويلة من اجلها حتي ان العديد من الشركات بدات في تحويل الكثير من اقسامها لشركات توظيف منفصلة عنها دون ان تتحمل مسؤلية التعيين المباشر للعمال او تقوم بتحويل جزء من عمالتها الثابتة وتغيير عقودها للعمل تحت ادارة شركات التوظيف هذه بعقود مؤقتة وبشروط مجحفة وهكذا يظل العامل مهددا ان لم يعطي اكثر ويتنازل اكثر

والخلاصة : ان الحكومات و رجال الاعمال بمنطقة اليورو الراسمالية يتجهون الان للاحتفاظ فقط بالمؤسسات النقدية والمالية والمقرات الرئسية للشركات باوروبا والتي تستلزم فقط عمالة مؤهلة ومنتقاة وباعداد قليلة وتجنب مشروعات العمالة الكثيفة وذلك علي شاكله النمط السويسري وقد فطن محدودو الدخل لذلك وهاهم يهبون متظاهرين وبشكل شبه يومي للدفاع عن حقوقهم ومستقبل اولادهم ..وعلينا الان استخلاص العديد من الدروس المستفادة

هناك تعليق واحد: