تابعت كما تابع الملايين تطورات الانتفاضة التونسية الملهمة من يوم انطلاقها بالفرح والترقب الممزوج بالدعاء الي يوم ان رحل الطاغية . وكان نجاح التجربة نجاحا لكل المظلومين في العالم العربي والذي بدات تهب عليه رياح التغيير بعد انتظار طويل وبعد ان هبت علي كل مناطق العالم الاخري وتناستنا ولم يتبق الا منطقتنا وها هي تبدا من تونس واجزم انه ليس باستطاعة احد الان ان يوقفها او يلغي توابعها .
وكعادة الثورات التي تندلع متاخرا و بعد عقود من الصبر والاستسلام تظهر المشكلة في اليوم التالي لنجاح الثورة وظهور السؤال الحتمي الصعب - وماذا بعد ؟ ما هو البديل للنظام المخلوع ؟ بمعني اخر كيف يتم تشكيل حكومة انتقالية لا تكون صورة طبق الاصل من النظام السابق او جزء منه ؟ او حكومة من الانتهازين تقفز علي الثورة وتخطف مكتسباتها او تلتف بشكل كامل علي الثورة وتعود بالاحداث للمربع صفر .
وللاسف تلك الانظمة الدكتاتورية ومع طول الزمن تغلغلت من خلال اعوانها بكل مؤسسات الدولة فهذه الانظمة الفاسدة ابعدت كل الشرفاء ولوثت كل الضعفاء وحجبت عن الشباب العمل العام و السياسي فانعدمت الكوادر المدربة . ولقد احزنني ان كثير منا لم يستوعب التجربة بل واختزلها في مسالة البوعزيزي الذي احرق نفسه كما لو اننا لابد ان نحرق انفسنا لنتحرر!! فكيف للانتحار والموت ان يصنع حياة ومستقبل ؟
وفي راي انه كان من المفترض في اليوم التالي لنجاح الثورة ان تسير الامور بشكل مختلف وبالتالي لنتائج افضل واسرع لو تم تنفيذ امرين :-
الامر الاول : تشكيل مجلس رئاسي اعلي يحل محل رئيس الجمهورية المخلوع وعلي ان يتكون هذا المجلس من ممثل عن كل حزب اوحركة سياسية بلا استثناء من الداخل والخارج محظور ومعترف به بالاضافة لممثل عن الاتحاد العام للشغل وممثل عن المنظمات الاهلية او الحقوقية او اي قوة وطنية مقبولة بالاضافة لوزير الدفاع الحالي والذي ظهرت وطنيته وحسن نيته في كل الاحداث التي جرت . وفي النهاية يتم اختيار شخصية من داخل هذا المجلس بالاغلبية ليكون رئيسا للجلسات و كمتحدث رسمي وحيد باسم هذا المجلس منعا للبلبلة .
الامر الثاني : ان يقوم المجلس الرئاسي الاعلي بتشكيل حكومة تكنوقراط مؤقتة لتسيير الاعمال وشئون الاجهزة الحكومية في شكل مجلس وزراء يحمل حقيبة كل وزارة وكيل وزارة فني متخصص و مقبول لاغلبية المجلس الرئاسي و بشرط ان يبتعد تماما عن العمل السياسي . علي ان يتم التحضير الفوري والسريع للانتخابات التشريعية ومن بعدها الانتخابات الرئاسية .
كل هذا دون ان ينسحب المتظاهرون من الشارع قبل استكمال تلك الاجراءات وان يظلوا متابعين ويقظين تماما لكل ما يجري فالثمن المدفوع كان باهظا وليس من حق الشهداء علينا جميعا ان نغض النظر او نتنازل عن اي شئ بعد الان .